للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى الْجَهْرِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ، وَعَلَى الْمُخَافَتَةِ فِيمَا يُخَافَتُ فيه َ، وكَذَلِكَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ؛ فَيَجِبُ إِظْهَارُهَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا؛ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ (وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الابْتِدَاءِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا) (١) إِلَّا أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا يَلْغُونَهُ فِي الْقِرَاءَةِ، وَيُغَلِّطُونَهُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ فَتَرَكَ الْجَهْرَ فِيهِمَا (٢) بِهَذَا الْعُذْرِ، ثُمَّ هَذَا الْعُذْرُ وَإِنْ زَالَ بِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ بَقِيَتْ هَذِهِ السُّنَةُ.

وامَّا فِي المَغْرِب، وَالْعِشَاءِ، وَالْفَجْرِ (٣)؛ فَالْكُفَّارُ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ، وأكثرهم كَانُوا نِيَاماً (٤) فَجَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْقِرَاءَةِ فِي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الأصل، وَبَقِيَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَالُ فَرَاغِ النَّاسِ عَنِ الاشْتِغَالِ فَيُمْكِنُهُمُ (٥) اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهِهِ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْماء؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتِ الْغَلَبَةُ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَجَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيهَا (٦) بِالْقِرَاءَةِ فَبَقِيَ كَذَلِكَ سُنَّةٌ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَعْيَادِ.


(١) ساقطة من (ب).
(٢) أخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنه، في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا] [الإسراء: ١١٠] قال: " نزلت ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- مختف بمكة، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا] [الإسراء: ١١٠] أي بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: ١١٠] عن أصحابك فلا تسمعهم، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: ١١٠]
أخرجه البخاري في"صحيحه" (٣/ ٧٦: ٧٧)، كتاب التفسير، بسورة بني إسرائيل، باب ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها، حديث (٤٥٣٧) و (٤٥٣٨)، وأخرجه مسلم في "صحيحه" ص ١٨٨: ١٨٩، كتاب الصلاة، باب التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية بين الجهر والإسرار، حديث (٤٤٦) و (٤٤٧).
(٣) قال صاحب الهداية: (ويجهر بالقراءة في الفجر وفي الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء إن كان إماما ويخفى في الأخريين هذا هو المأثور المتوارث). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٤٥).
(٤) في (ب): (ينامون).
(٥) في (ب): (فمنكم).
(٦) (فِيهَا) ساقطة من (ب)