للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ ما لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ؛ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَمْ تُوجَدْ وَهِيَ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا تَجُوزُ بِدُونِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ كَلَامٌ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُظْهِرُ الْمَرْءُ مَا فِي الضَّمَائِرِ، وَلِهَذَا قِيلَ اللِّسَانُ تُرْجُمَانُ الْقَلْبِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِصَوْتٍ مَسْمُوعٍ، وَحُرُوفٍ مَفْهُومَةٍ؛ فَكَمَا لَا يُوجَدُ الْكَلَامُ بِدُونِ الْحَرُوفِ (١) وَإِنْ وُجِدَ صَوْتٌ مَسْمُوعٌ؛ كَأَلْحَانِ الطُّيُورِ فَكَذَا لَا يُوجَدُ بِإِقَامَةِ الْحُرُوفِ، بِلَا صَوْتٍ كَالْكِتَابَةِ؛ فَإِنَّهُ (٢) لَا يُسَمَّى كَلَاماً وِإِنْ وُجِدَ إِقَامَةُ حُرُوفٍ مَفْهُومَةٍ (٣) مُظْهَرَةٍ لِمَا فِي الضَّمِيرِ؛ لِأَنَّ الصَّوْتَ؛ لَمْ يُوجَدْ فَهَذَا أَوْلَى.

أَمَّا قَوْلُهُ -رحمه الله-: (إِنَّ الْكَلَامَ (٤) فِعْلُ اللِّسَانِ) لَا فَعْلَ الْأُذُنِ نَعَمِ (٥) الْكَلَامُ فِعْلُ اللِّسَانِ لَكِنْ مَعَ الصَّوْتِ، وَإِقَامَةُ الْحُرُوفِ، وامَّا قَوْلُهُ (فِي الْكِتَابِ) إِشَارَةً إِلَى مَا ادَّعَاهُ، قُلْنَا لَيْسَ فِيمَا قَالَ مُحَمَّدٌ -رحمه الله- مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَقَرَأَ فِي نَفْسِهِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ لَا غَيْرَهُ، وَبِقَوْلِهِ: (وَإِنْ شَاءَ جَهَرَ واسْمَعَ نَفْسَهُ) أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ الْمُنْفَرِدُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ بِالْخِيَارِ؛ إِنْ شَاءَ أَسْمَعَ نَفْسَهُ لَا غَيْرَ؛ وَإِنْ شَاءَ أَسْمَعَ غَيْرَهُ واسْمَعَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ عِبَارَةٌ عَنْ إِسْمَاعِ الْغَيْرِ؛ فَإِذَا مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِسْمَاعَ شَرْطٌ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ "، وَ" الْمُحِيطِ " (٦).

وَقَوْلُهُ -رحمه الله- (فِي لَفْظِ الْكِتَابِ إِشَارَةً) وَهِيَ قَوْلُهُ -رحمه الله- (إِنْ شَاءَ جَهَرَ واسْمَعَ نَفْسَهُ) وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْإِشَارَةِ وَجَوَابَهُ وَعَلَى هَذَا الأصل أَيْ وَعَلَى هَذَا الاخْتِلَافِ.


(١) في (ب): (الحرف).
(٢) (فَإِنَّهُ) ساقطة من (ب).
(٣) في (ب): (مُفهمة
(٤) (القراءة) كذا في "الهداية شرح الهداية للمرغيناني" (١/ ٥٥).
(٥) في (ب): (قلنا).
(٦) "المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ٢٩٦: ٢٩٧).