للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكرنا (١): ومن أحدث في ركوعه أو سجوده توضأ، وبنى ولا يعتد (٢) بالذي أحدث من الاعتداد، وفي بعض النسخ: توضأ وبنى، ويعيد بالتي أحدث من الإعادة ومعناهما في الحكم واحد؛ لأنه إنما يعيد ما لم يقع معتدًا؛ لأن إتمام الركن بالانتقال إلى آخره، ولأن قضية القياس أن ينتقضه بالحدث جميع ما أدى، وإنما تركنا القياس للأثر الوارد في البناء، فبقي انتقاض الركن الذي سبق الحدث فيه على أصل القياس، وإذا (٣) انتقص الركوع والسجود جاز له البناء بالأثر، ويلزمه إعادة ما كان فيه الحدث بالقياس، وأم (٤) المقدم على الركوع، أي: على هيئة الإمام لأنه يمكنه الإتمام بالاستدامة؛ لأن الاستدامة فيما استدام كالابتداء، فلا يحتاج إلى إنشاء الركوع أصله قوله تعالى: {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (٥) (٦).

وكذا لو حلف لا يلبس ثوبًا وهو لابسه يحنث بالاستدامة لوجود اللبس تامًا بالاستدامة، ولأن الخليفة قائم مقام الأول، فكان الأول في مكانه، ولو كان هو في مكانه كان يمكث في ركوعه، فكذا هذا، ولو ذكر وهو راكع أو ساجد أن عليه سجدة إلى آخره، أي: سجدة صلبية أو سجدة تلاوة فرق بين هذا وبين ما تقدم، فإنه لو لم يعد هنا أجزأه بخلاف الأول، والفرق من وجهين أحدهما: أن تذكر السجدة في الركوع لا ينتقض الركوع؛ لأن الترتيب في أفعال الصلاة الواحدة ليس بشرط، وإذا لم ينتقض لا يلزمه الإعادة، أما سبق الحدث فناقض للركن؛ لأنه ينعدم به ما هو شرط جواز الصلاة، وهو الطهارة.

والثاني: أن تمام الركوع برفع الرأس؛ لأن الركن إنما يتم بالانتقال، وبعد الحدث لا يمكن أن يجعل انتقالا كيلا يصير مؤديًا شيئًا من الصلاة مع الحدث، فيلزمه إتمام الركوع بعد الطهارة، وذلك لا يمكن إلا بالإعادة أم تذكر السجدة لا يمنع من الانتقال؛ لأن أداء شيء من الصلاة بعد تذكر السجدة جائز، فإنه لو أخر تلك السجدة إلى آخر الصلاة يجوز صلاته إلا أنه لم يقصد بهذا الرفع إتمام ذلك الركوع، فيستحب له الإعادة، وإن لم يعد أجزاءه (٧)، كذا في «الجامع الصغير» لقاضي خان رحمه الله.

فإن قيل: الانتقال حصل لأداء ركن قبله فهلا جعل الانتقال رفضًا ونقضًا لذلك الركن الذي تذكر فيه كما لو قعد قدر التشهد، ثم عاد إلى السجدة الصلبية أو تذكر في الركوع أنه لم يقرأ القرآن فعاد لقراءة القرآن يرتفض ما كان فيه، وما الفرق بينهما قيل: له الشروع في الصلاة ركنًا أو فرضًا أنواع منها ما يتحد في كل الصلاة كالقعدة، ومنها ما يتعدد كالركعات، ومنها ما يتحد في كل ركعة كالقيام والركوع، ومنها ما تعدد في كل ركعة كالسجود، فالترتيب ليس شرطاً بين ما يتعدد (٨) في كل الصلاة أو يتحد في كل ركعة، وبين ما يتعدد في كل ركعة، والترتيب شرط بين المتحد والمتحد، وبين المتعدد في كل صلاة أو (٩) الركعات وبين المتحد في كل صلاة؛ لأن ما اتحدت شرعيته في كل صلاة يراعى وجوده صورة ومعنى في محله تحرزا عن تفويت ما (١٠) تعلق به جزؤا أو كلا إذ لا يمكن استيفاء (١١) ما تعلق به جزؤا أو كلًّا من جنسه ضرورة اتحاده في الشرعية والإفراد بالشرعية دليل توقف ذلك عليه، وهكذا نقول: فيما اتحدت شرعيته في كل ركعة حتى يشترط الترتيب بين المتحد والمتحد، ولا كذلك ما تعددت شرعيته في كل ركعة (١٢)، كذا في «الفوائد الظهيرية»، أو نقول: إنما لا يجوز تأخير السجدة عن القعدة، وترتفض القعدة بإتيان السجدة لما أن النبي عليه السلام علق تمام الصلاة بالقعدة في قوله: إذا قلت: هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك فلو قلنا: بجواز تأخير غيرها عنها لكان تمام الصلاة بذلك الغير، وهو خلاف ما شرعه الشارع، فلا يجوز، وكذلك لا يجوز تأخير القيام أو الركوع عن السجود لما أن القيام وسيلة الركوع والركوع وسيلة السجود حتى أن من لم يقدر على السجود والركوع لا يجب القيام؛ لأن إنهاء التواضع في السجود والوسائل مقدمة على المقاصد، وكذلك القراءة فإنها زينة القيام، فلما كان القيام مقدمًا على الركوع كانت رتبته (١٣) أيضًا مقدمة على الركوع (١٤).


(١) في (ب): ذكر
(٢) في (ب): يفيد
(٣) في (ب): وإنما
(٤) في (ب): وأتم
(٥) سورة الأنعام الآية (٦٨).
(٦) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٩٢.
(٧) يُنْظَر: تبيين الحقائق: ١/ ١٥٣.
(٨) ساقط من (ب). كالركعات، ومنها ما يتحد في كل ركعة كالقيام والركوع، ومنها ما يتعدد في كل ركعة كالسجود، فالترتيب ليس شرط بين ما يتعدد
(٩) زيادة في نسخة (ب).
(١٠) في نسخة (ب). هو بدل من ما
(١١) في (ب): استثناء
(١٢) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٩٣.
(١٣) في (ب): زينته
(١٤) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٩٣.