للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: مبني الصلاة على الأفعال.

قلنا: لا بل على الأقوال والأفعال جميعًا؛ لأن الأفعال إنما صارت أركانًا لورود الأمر بها، والأمر كما ورد بالأفعال ورد بقراءة القرآن، ثم إن العاجز عن الأفعال لا يخاطب بالصلاة، وإن قدر على القراءة لا لأن مبناه على الأفعال لا غير، لكن لأنه عجز عن أكثر أركان الصلاة، وقدر على ركن واحد وباعتبار ما عجز عنه يسقط (١) عنه وباعتبار ما قدر عليه لا يسقط، فيرجح جانب العجز للكثرة؛ لأن لها حكم الكل، فصار كأنه عجز عن الكل، وأما إذا عجز عن القراءة لا غير يرجح (٢) جانب القدرة للكثرة، وإذا ترجح صار كالقادر على الكل كالصوم يتأدى بالنية قبل الزوال، وإن فاتت النية في بعض النهار؛ لأنها وجدت في الأكثر، وبعد الزوال لا يتأدى لانعدامها في الأكثر، وأما الجواب عنه قول الحسن فإن الأمر كما قاله إلا أنها تكررت في الثانية، والثانية تكرار للأولى فلا بد من أن يتكرر فيها جميع ما وجد (٣) من الأركان (٤) في الركعة الأولى ألا يرى أنها يتكرر بالصفة التي وجدت في الركعة الأولى ليتحقق التكرار، فلما وجبت مراعاة صفة القراءة في الركعة الثانية؛ لأنها تكرار للأولى، فلأن يجب مراعاة أصل القراءة بالطريق الأولى، وهذا لأن الصفة في الركعة الأولى واجبة إذا كان إمامًا والقراءة في الأولى ركن، فلما وجبت مراعاة الصفة في الثانية ضرورة التكرار؛ لأن يتكرر الأصل ضرورة التكرار أولى (٥).

وأما قوله: وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ قلنا: والتكرار في الثانية لم يجب عندنا بالأمر، وإنما وجب لكون الثانية تكرارًا كما في سائر الأركان، وقال الشافعي: القراءة ركن في الأربع (٦)؛ لقوله عليه السلام: «لا صلاة إلا بالقراءة» (٧)، وكل ركعة صلاة بدليل أنه إذا حلف لا يصلي فصلى ركعة حنث في يمينه، فلا يصح ركعة بغير قراءة عملًا بهذا الظاهر، ولأن القراءة شرعت، وركنًا في الشفع الأول، فيتكرر في الشفع الثاني؛ لأن الشفع الثاني تكرار للأول كالثانية تكرار للأولى اعتبارًا بسائر الأركان إلا أنها لا تجب على صفة الأولى إظهارًا لنقصان القراءة في الركنيه، واحتج أصحابنا بما روي عن علي رضي الله عنه، عن النبي عليه السلام أنه قال: «القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين» (٨).


(١) -في ب سقط بدل من يسقط
(٢) - في ب يترجح بدل من غير يرجح
(٣) -في ب ماوجدت بدل من ماوجد
(٤) - في ب الاذكار بدل من الاركان
(٥) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٥١، شرح فتح القدير: ١/ ٤٥١.
(٦) - في ب زيادة من ب (وقال الشافعي القراءة ركن في الاربع)
(٧) رواه مسلم في صحيحه (٣٩٦)، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٨) ذكره أبو الفرج الجوزي في التحقيق في أحاديث الخلاف (١/ ٣٧٢).