للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: يُصَلِّي أُخْرَى صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ فإن قيل: كيف يستقيم هذا على أصل محمد، والأصل عنده أن صفة الفرضية إذا بطلت بطل أصل الصلاة، فلم يكن المؤدي مصونًا حينئذٍ عن البطلان؟ قيل: (قال القاضي الإمام ظهير الدين) (١): سمعت والدي يقول: ليس هذا مذهبًا لمحمد في جميع المواضع إنما هذا مذهب له فيما إذا لم يتمكن من إخراج نفسه عن العهدة بالمضي فيها كما إذا قيد الخامسة بالسجدة، وهو لم يقعد في الرابعة، وهاهنا يتمكن من إخراج نفسه عن العهدة بالمضي فيها، والفرق بينهما أن إبطال صفة الفرضية لإحراز فصل الجماعة بإطلاق من الشرع، وإبطال صفة الفرضية هناك ليس بإطلاق من جهة الشرع، فجاز أن ينقلب نفلا هاهنا، وصار كالمكفر بالصوم إذا أيسر في خلال الصوم (٢) اليوم، كذا في «الفوائد الظهيرية» (٣)، ثم يدخل مع القوم إحراز الفضيلة الجماعة كما لو شرع في الظهر، ثم أقيمت الجمعة ألا ترى أنه يجوز قطعها لحطام الدنيا، فإن المرأة إذا كانت يفور قِدرها جاز لها القطع، وكذا المسافر إذا ندّت دابته أو خاف فوت شيء من ماله (٤). وفي «اللآلئ»: يقطع لأجل الدرهم، فلما جاز القطع لحطام الدنيا، فلان يجوز لإحراز فضيلة الجماعة أولى، وحاصله أن نقض الصلاة بغير عذر حرام، والنقض للإكمال كمال كهدم المسجد للبناء وللصلاة بالجماعة ضرب مزية على الصلاة وحده، قال عليه السلام: «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» (٥)، فيجوز النقض لإحراز الجماعة، وعن عبد الله بن عباس أن رجلًا سأله عن رجل يقوم بالليل ويصوم بالنهار ولا يحضر الجماعة؟ قال: هو في النار (٦). فإن قيل: لماذا يجوز إبطال صفة الفرضية لإقامة السنة. قلنا: يجوز إبطال الفرض لإقامة الفرض على أكمل الوجوه كما إذا تذكر في الركوع أنه لم يقرأ السورة، فإنه يرفض الركوع لقراءة السورة، فلأن يجوز إبطال صفة الفرضية لإقامة الفرض على أكمل الوجوه كان أولى، وكذلك يتحمل الانحراف والانصراف في صلاة الخوف لإقامة الجماعة علم أن إقامة الجماعة أمر عظيم. كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله، وقاضي خان، وظهير الدين رحمهم الله (٧).


(١) - ساقط من ب (قيل: قال القاضي الإمام ظهير الدين).
(٢) - ساقط من ب (الصوم)
(٣) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٧١.
(٤) انظر: شرح فتح القدير: ١/ ٤٧١، والبحر الرائق: ٢/ ٧٧.
(٥) رواه البخاري في صحيحه (٦١٩)، كتاب الجماعة والإمامة، باب وجوب صلاة الجماعة. ومسلم في صحيحه (٦٥٠)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(٦) ذكره الطحاوي في حاشيته على مراقي الفلاح: ص ١٢٧.
(٧) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٧١، وبدائع الصنائع: ١/ ١٥٥.