للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ أُخْرَاوَيْنِ، والصواب: أن يقال: أُخريين -وقد ذكرناه في فصل القراءة- لَمْ يَبْنِ، أي: ليس له أن يبني؛ لأنه على تقدير البناء يكون سجدة السهو في وسط الصلاة، وهو غير مشروع بخلاف المسافر إذا سجد للسهو، ثم نوى الإقامة إنما ذكر نية الإقامة بعد السجدة للسهو، فإنه لو نوى الإقامة بعد السلام لأجل سجدة السهو، وقبل السجدة لا يصح نيته عندهما خلافًا لمحمد، وهي (١) المسألة التي تلي هذه المسألة ثم هاهنا/ يصح نية الإقامة، وإن وقع سجود السهو في وسط الصلاة بخلاف بناء التطوع؛ لأنه لزمه أربع ركعات حكمًا لنية الإقامة، وفي تركها فساد جميع الآتي (٢) به، وفي الاشتغال بها نقض بسجود السهو، وهذا أدنى فكان أولى، وأما هاهنا فيمكنه الإتيان بالركعتين بتحريمة (٣) مستقبلة، وليس في الجمع إلا إحراز فضيلة الدوام، وفيه نقص الواجب فالاحتراز عن نقض الواجب أولى من إحراز غير الواجب، كذا في «الفوائد الظهيرية» (٤).

وذكر شمس الأئمة السرخسي في «المبسوط» (٥): وحقيقة الفرق أن السلام محلل ثم (٦) بالعود إلى سجود السهو قعود (٧) حرمة الصلاة للضرورة، وهذه الضرورة (٨) فيما يرجع إلى إكمال تلك الصلاة لا في صلاة أخرى، ونية الإقامة عملها في وجوب إكمال تلك الصلاة، فظهر عود الحرمة في حقها، فأما كل شفع من التطوع فصلاة على حدة، ولم تعد الحرمة في حق صلاة أخرى، فلهذا لا يمكنه أن يبني عليها ركعتين.

قلت: وهذا التعليل يشير إلى أنه لو بنى عليها ركعتين لا يصح فكان مخالفًا لقوله: في الكتاب، ومع هذا لو أدى صح لبقاء التحريمة، ولكن شيخ الإسلام، والإمام المرغيناني ذكرا ما يوافق رواية الكتاب، فقال شيخ الإسلام: فإن بنى على ذلك ينبغي أن يعيد سجدتي السهو؛ لأنه لما بنى حصلت السجدتان في وسط الصلاة لا يعتد بهما (٩) فكان عليه الإعادة، ومن سلم وعليه سجدة السهو إلى آخره، وأصله: أن سلام من عليه السهو لا يخرجه عن حرمة الصلاة أصلًا عند محمد، وعندهما يخرجه خروجًا موقوفًا إن عاد إلى سجود السهو تبين أنه لم يخرجه، وإن لم يعد تبين أنه أخرجه، ويتولد من هذا الأصل مسائل منها مسألة الكتاب (١٠)، فإن عند محمد رحمه الله: صح الاقتداء على سبيل البناء، وعندهما توقف، وهو قوله: وَيَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا، أي: في صحة الاقتداء (١١)، وفي انتقاض الطهارة بالقهقهة، أي: لو ضحل الذي سلم، وعليه سجود السهو ينتقض طهارته عند محمد؛ لأنه ضحك في حرمة الصلاة، وعندهما لا ينتقض، وكذا لو ضحك المقتدي في هذه الحالة، وتغيّر الفرض بنية الإقامة في هذه الحالة، يعني: أن المسافر إذا نوى الإقامة بعد السلام قبل سجود السهو عند محمد يتغير فرضه أربعًا كما لو نوى قبل السلام، وعندهما لا يتغير فرضه؛ لأن النية لم يحصل في حرمة الصلاة، ويسقط عنه سجود السهو؛ لأنه لو سجد يتغير فرضه (١٢) فيكون مؤديًا سجود السهو في وسط الصلاة، وكذلك يظهر الاختلاف فيمن اقتدى به إنسان بنية التطوع، ثم تكلم هذا المقتدي قبل أن يسجد الإمام للسهو لا يجب على المقتدي قضاء شيء عندهما، وإن عاد الإمام إلى سجود السهو؛ لأنه تكلم قبل صحة الاقتداء، وعند محمد يلزمه قضاء ما بنى الإمام، كذا في «الجامع الصغير» لقاضي خان (١٣).


(١) - في ب وهو بدل من وهي
(٢) - في ب المأتي بدل من الأتي
(٣) - ساقط من ب (بتحريمة)
(٤) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٥١٤.
(٥) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٢٧.
(٦) - في ب و بدل من ثم
(٧) - في ب يعود بدل من قعود
(٨) - ساقط من ب (وهذه ضرورة)
(٩) - في ب بعدهما بدل من يعتدهما
(١٠) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٥١٤.
(١١) - ساقط من ب (على سبيل البناء، وعندهما توقف، وهو قوله: ويظهر الاختلاف في هذا، أي: في صحة الاقتداء)
(١٢) - ساقط من ب (لأن النية لم يحصل في حرمة الصلاة، ويسقط عنه سجود السهو؛ لأنه لو سجد يتغير فرضه)
(١٣) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٥١٥.