للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر في «الصحاح» (١): كسفت الشمس تكسف كسوفًا، وكسفها الله كسفًا يتعدّى، ولا يتعدّى قال الشاعر (٢):

الشمس طالعة ليست بكاسفة … تبكي عليك نجوم اليل والقمرا (٣)

أي: ليست تكسف ضوء النجوم مع طلوعها، ولكن لقلة ضوءها، وبكائها عليك لم يظهر لها نور، وكذلك كسف القمر إلا أنّ الأجود فيه أن يقال: خسف القمر.

اعلم: بأن صلاة الكسوف مشروعة ثبت شرعيتها بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة [هكذا في «الصحاح» (٤).

وذكر الإمام جمال الدين الأديب في شرح الأبيات: يرثي جرير بهذا عمر بن عبد العزيز (٥)، ومعنى قوله: (تبكي) أي: تغلب النجوم في البكاء يقال: باكيته، وبكيته أي: غلبته في البكاء، وروى النجوم بالرّفع، والنصب فعلى تقدير الرفع كان الواو في (والقمر) بمعنى مع، والألف للإشباع.

اعلم: بأن صلاة الكسوف مشروعة، ثبت شرعيتها بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة] (٦)، (٧).

أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} (٨)، والكسوف آية من آيات الله؛ لأن الخلق عاجزون عن فعله، وهي من الآيات المخوّفة؛ لأنها مبدلة لنعمة النور إلى الظلمة في حين عادة النور، وتبديل النعمة إلى ضدّها تخويف، ولأن القلوب يفرغ لذلك طبعًا، فكانت من الآيات المخوّفة، والله تعالى إنمّا يخوّف عبادة؛ ليتركوا المعاصي، ويرجعوا إلى طاعة الله تعالى التي فيها نوروهم، وأقرب أحوال العبد في الرجوع إلى ربه حالة الصلاة، والسنة بهذا وردت، فإنّه روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا رأيتم شيئًا من هذه الأفزاع فافزعوا إلى الصلاة» (٩)، وعليه إجماع الأمة، فبعد هذا يحتاج إلى معرفة ستة أشياء إلى معرفة سبب شرعيتها، وشرط جوازها وصفتها، وكيفية أدائها، وموضع الصلاة [بها] (١٠)، ووقت الصلاة.


(١) (٤/ ١٤٢١ - مادة "كسف").
(٢) هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي، من تميم: أشعر أهل عصره. ولد ومات في اليمامة. وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم - وكان هجاءًا مرَّا - فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل. وكان عفيفًا، وهو من أغزل الناس شعرًا. وقد جمعت "نقائضه مع الفرزدق" في ثلاثة أجزاء، و"ديوان شعره" في جزأين. وأخباره مع الشعراء وغيرهم كثيرة جدًا. وكان يكنى بأبي حزرة. ينظر: الأعلام للزركلي: ٢/ ١١٩.
(٣) جرير بن الخطفي يرثي عمر بن عبد العزيز. ينظر: الكامل في اللغة والأدب: ٢/ ٢٠٢.
(٤) (٤/ ١٤٢١ - مادة "كسف").
(٥) عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي القرشي، أبو حفص: الخليفة الصالح، والملك العادل، وربما قيل له خامس الخلفاء الراشدين تشبيها له بهم. ولد بالمدينة سنة ٦١ هـ ونشأ بها، وولي إمارتها للوليد. ثم استوزره سليمان بن عبد الملك بالشام. وولي الخلافة بعهد من سليمان سنة ٩٩ هـ، فبويع في مسجد دمشق. وأخباره في عدله وحسن سياسته كثيرة. وكان يدعى "أشج بني أمية" رمحته دابة وهو غلام فشجته. توفي سنة ١٠١ هـ. ينظر: ثقات ابن حبان: ٥/ ١٥١، التاريخ الكبير: ٦/ ١٧٤.
(٦) [ساقط] من (ب).
(٧) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٨٤.
(٨) سورة الإسراء من الآية: (٥٩).
(٩) أخرجه البخاري في «صحيحه» (٢/ ٣٨)، كتاب أبواب الكسوف، باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته، رقم (١٠٥٨)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(١٠) [ساقط] من (أ).