للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشافعي -رحمه الله-: الإمام في المغرب بالخيار إن شاء صلى مثل مذهبنا، وإن شاء صلى مثل مذهب الثوري (١) (٢). كذا ذكره شيخ الإسلام (٣).

(ولا يقاتلون في حال الصلاة، فإن قاتلوا بطلت صلاتهم) (٤)، وهذا عندنا، وقال مالك: لا تفسد، وهو قول الشافعي في القديم؛ لظاهر قوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} (٥)، والأمر بأخذ السلاح في الصلاة لا يكون إلا للقتال به، ولكنا نقول: القتال عمل كثير، وهو ليس من أعمال الصلاة، ولا يتحقق فيه الحاجة لا محالة، فكان مفسدًا لها كتخليص الغريق، واتباع السارق لاسترداد المال، والأمر بأخذ الأسلحة؛ لكيلا يطمع فيهم العدو إذا رأوهم مستعدين، أو ليقاتلوا بها إذا احتاجوا، ثم يستقبلون الصلاة، ولا يصلُّون، وهم يقاتلون، وإن ذهب الوقت؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شغل عن أربع صلوات يوم الخندق، فقضاهن بعد هوى من الليل، وقال: «شغلونا عن الصلاة الوسطى، ملأ الله قبورهم وبطونهم نارًا» (٦)، فلو كان يجوز الصلاة في حالة القتال لما أخّرها، وكذلك من ركب منهم في صلاته عند انصرافه إلى وجه العدو فسدت صلاته؛ لأن الركوب عمل كثير، وهو مما لا يحتاج إليه، بخلاف المشي فإنه لابدّ منه حتى يقفوا بإزاء العدو، وجواز العمل لأجل الضرورة فيختص بما يتحقق فيه الضرورة، ولو تحققت الضرورة في الركوب حالة الانصراف، فركب استأنف الصلاة لوجود العمل الكثير الذي لم يرد به النص، بخلاف المشي، والذهاب، فإنّه ورد فيهما النص ببقاء التحريمة، وإن كان المشي، والذهاب عملًا كثيرًا، فيحصر الحكم في مورد النص (٧).

(وإن اشتد الخوف صلوا ركبانًا فرادى) (٨)، ومعنى اشتداد الخوف هاهنا هو أن لا يدعهم العدو بأن يصلوا نازلين، بل يهجموهم بالمحاربة، فيصلّون ركبانًا فرادى؛ وذلك لأن الصلاة على الدابة تجوز بعذر دون هذا العذر، فلأن يجوز بهذا أولى (٩).


(١) سبق ترجمته (ص ١٤٧).
(٢) ينظر: البناية شرح الهداية (٣/ ١٦٨).
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٠٠.
(٤) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٨.
(٥) سورة النساء من الآية: (١٠٢).
(٦) أخرجه مسلم في «صحيحه» (١/ ٤٣٧)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، رقم (٦٢٧)، من حديث علي رضي الله عنه.
(٧) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٠٠، ١٠١، بدائع الصنائع: ١/ ٢٤٤، ٢٤٥.
(٨) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨٨.
(٩) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٠٢.