للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما كونها فرض كفاية: فلأنّها تقام حقًا للميت، فإذا قام بها البعض صار حقه مؤدى، فيسقط (١) عن الباقين كسائر حقوقه من التكفين، والغسل (٢).

ثم ذكر محمد -رحمه الله- في كتاب الصلاة: أن إمام الحي أولى بالصلاة، وذكر الحسن عن أبي حنيفة -رحمه الله-: أن الإمام الأعظم، وهو الخليفة أولى إن حضر، فإن لم يحضر فإمام المصر أولى، فإن لم يحضر فالقاضي أولى، فإن لم يحضر فصاحب الشرط أولى، فإن لم يحضر فإمام الحي أولى، فإن لم يحضر فالأقرب من ذوي قرابته، وبهذه الرواية أخذ كثير من مشايخنا، ومن المشايخ قال: لا اختلاف بين الروايتين، فما ذكر في كتاب الصلاة محمول على ما إذا لم يحضر الإمام الأعظم، ولا واحد ممن ذكر في رواية الحسن، وهذا كله قول أبي حنيفة، ومحمد، وقال أبو يوسف، والشافعي: ولي الميت أولى بالصلاة على الميت على كلّ حال؛ لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (٣) من غير فصل، ولأنّ هذا حكم تعلّق بالولاية، فكان الولي مقدّمًا على السلطان، وغيره قياسًا على النكاح، ولأنّ صلاة الجنازة دعاء للميت، ودعاء القريب أرجى [أسرع] في الإجابة؛ لأنه أشفق على الميت، فيوجد منه زيادة تضرّع، فكان [هو] (٤) أولى، ولأبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله- أنّه لما مات الحسن ابن علي رضي الله عنهما خرج الحسين - رضي الله عنه -، والنّاس لصلاة الجنازة فقدم الحسين سعيد بن العاص، وكان سعيد واليًا بالمدينة يومئذ فأبى سعيد أن يتقدّم، فقال له الحسين: «تقدم، ولولا السنة ما قدمتك» (٥)، ولأنّ هذه الصلاة تقام بجماعة غالبًا، فيكون السلطان أولى بإمامتها قياسًا على سائر الصلاة (٦).

وأمّا الجواب عن تعلقهم بالآية، قلت (٧): الآية محمولة على المواريث، وعلى ولاية المناكحة، وليس [ولاية الإمامة] (٨) كولاية النكاح؛ لأنّ ولاية النكاح مما لا يتصل بالجماعة، وإنما يتّصل بالواحد، فكان القريب أولى بالإقامة كالتكفين، والغسل.


(١) في (ب): "فسقط".
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١١٦، ١١٧.
(٣) سورة الأنفال من الآية: (٧٥)، سورة الأحزاب من الآية: (٦).
(٤) [ساقط] من (ب).
(٥) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٣/ ١٨٧ - ٤٧٩٩) من طريق أبي حازم. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(٦) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١١٨، المحيط البرهاني: ٢/ ٣٤٢.
(٧) في (ب): " قلنا ".
(٨) [ساقط] من (ب).