للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولهم: إن صلاة الجنازة شرعت للدّعاء، ودعاء الولي أقرب إلى الإجابة؟

قلنا: بل دعاء الإمام أقرب إلى الإجابة على ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ثلاثة لا يحجب دعاؤهم» (١)، وذكر منهم الإمام، ولأن القريب غير ممنوع عن الصلاة عليه. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٢)، و «المحيط» (٣).

قيل: قوله: (إن حضر) (٤) إشارة إلى أن الأصل الولي إلا أنّه ترك ذلك بعارض الاحتراز عن ازدراء الإمام على ما ذكر (٥).

قوله -رحمه الله-: (ثم الولي) (٦) فعلم بما ذكرنا أن تأخير الولي عن غيره قول أبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله- خلافًا لأبي يوسف -رحمه الله-، ثم لو اجتمع للميت قريبان، وهما في القرب إليه على السّواء بأن كان له أخوان لأب وأمّ، أو لأب، فأكبرهم سنًّا أولى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتقديم الأسنّ (٧)، فإن أراد الأكبر أن يقدّم إنسانًا ليس له ذلك إلا برضاء الآخر؛ لأن الحق [لهما] (٨)؛ لاستوائهما في القرابة لكنّا قدّمنا الأسن بالسنة، ولا سنة في تقديم من قدّمه، فيبقى [الحق] (٩) لهما كما كان، وإن كان أحدهما لأب وأم، والآخر لأب، فالذي هو لأب وأمّ أولى، وإن كان أصغر، وإن قُدم الأخ لأب وأمّ غيره، فليس للأخ أن يمنعه عن ذلك؛ لأنه لا حق للأخ لأب أصلًا، وإن اجتمع للميت ابن وأب ذكر في كتاب الصلاة أنّ الأب أولى (١٠).

[١٥٧/ أ] من مشايخنا من قال: (هو قول محمد)، فأمّا على قول أبي حنيفة فالابن أولى، وعلى قول أبي يوسف -رحمه الله- الولاية لهما إلا أنّه تقدم الأب احترامًا له كما في مسألة النكاح، فإنّه إذا اجتمع للمجنون أب وابن، فعند أبي حنيفة -رحمه الله-: الابن أولى في ولاية/ التزويج، ومنهم من قال: لا، بل ما ذكر في صلاة الجنازة أن الأب أولى قول الكل؛ لأن للأب زيادة فضيلة، وسنّ ليس للابن، وللفضيلة أثر في استحقاق الإمامة فترجح الأب لذلك بخلاف النكاح، وابن عم المرأة أحق بالصلاة عليها من زوجها إذا لم يكن للزوج ابن منها؛ لأن النكاح انقطع لموت المرأة، والتحق الزوج بسائر الأجانب، والقرابة لا تنقطع إلا أن يكون للزوّج منها ولد، فحينئذ يكون الزوج أحق بالصلاة عليها؛ لأن الحق يثبت للابن في هذه الحالة، ثم الابن تقدّم أباه احترامًا له، فيثبت للزّوج حق الصلاة عليها من هذا الوجه (١١).


(١) أخرجه البزار في «مسنده» (١٤/ ٤٠٠ - رقم ٨١٤٨)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الألباني: ضعيف. ينظر: الجامع الصغير وزيادته: ص ٦٢٧.
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية: ٢/ ١١٨.
(٣) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٤٢.
(٤) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩٠.
(٥) ينظر: العناية شرح الهداية: ٢/ ١١٨.
(٦) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩٠.
(٧) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٤٣.
(٨) [ساقط] من (ب).
(٩) [ساقط] من (ب).
(١٠) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١١٩، المبسوط للسرخسي: ٢/ ١١٩.
(١١) ينظر: شرح فتح القدير: ٢/ ١١٨، ١١٩.