للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: ثم ذكر في الكتاب إعادة الولي إذا لم يصلّها، ولم يذكر إعادة السلطان إذا لم يصلّها، ويجب أن يكون حكمه في ولاية الإعادة كحكم الولي لما أنّه مقدّم في حق صلاة الجنازة على الولي، فلما ثبت حق الإعادة للأدنى وجب أن يثبت للأعلى منه أولى، وقد وجدت رواية في نوادر صلاة «المبسوط» (١) تشهّد لما [ذكرت] (٢) ذكرها بطريق التعليل (٣)، وقال: وقد روى الحسن عن أبي حنيفة -رحمه الله-: أنه لا يجوز للإمام أن يصلي على الجنازة بالتيمم في المصر، قال عيسى -رحمه الله- (٤): وهو الصحيح؛ لأن التيمم إنما يكون طهارة في حال عدم الماء، فأمّا مع وجود الماء فلا يكون طهارة إلا عند الضرورة، وهو خوف الفوت، وهذا لم يوجد في حق الإمام الذي يكون حق الصلاة على الجنازة له؛ لأن الناس ينتظرونه، ولو لم يفعلوا كان له حق إعادة الصلاة عليها، فلا يجزئه الأداء بالتيمم مع وجود الماء (٥).

قوله: (وإن صلى الولي لم يجز لأحد أن يصلي بعده) (٦)، وتخصيص الولي ليس بمفيد لما أنّ لو صلّى السلطان، أو غيره ممّن هو أولى من الولي في الصلاة على الميت ممّن ذكرنا ليس لأحد أن يصلي بعده [أيضًا على ذكرنا من رواية الولوالجي، و «التجنيس»، وهذا الذي ذكره بقوله: (لم يجز لأحد أن يصلي بعده)] (٧) مذهبنا، وقال الشافعي: تعاد الصلاة على الجنازة مرة بعد أخرى لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ بقبر جديد فسأل عنه؟ فقيل: قبر فلانة، فقال: «هلّا آذنتموني بالصلاة» (٨)، فقيل: إنها دفنت ليلًا فخشينا عليك هوام الأرض، فقام وصلى على قبرها، ولما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلّى [عليه] (٩) أصحابه فوجًا بعد فوج (١٠)، (١١).

[١٥٧/ ب] ولنا ما رُوي/ عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهما: "أنهما فاتتهما صلاة جنازة فلما حضرا ما زادا على الاستغفار له" (١٢)، والمعنى هو ما ذكر في الكتاب، فإنّ الصلاة الثانية تقع نفلًا، وذلك غير مشروع، ولو جاز هذا؛ لكان الأولى أن يُصلي على قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يرزق زيارته الآن؛ لأنه في قبره كما وضع، فإنّ لحوم الأنبياء حرام على الأرض به ورد الأثر (١٣)، ولم يشتغل أحد بهذا، فدلّ أنّه لا يعاد الصلاة على الميت إلا أن يكون الولي هو الذي حضر، فإن الحقّ له، وليس لغيره ولاية إسقاط حقه، وهو تأويل فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن الحق كان له قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (١٤)، وهكذا تأويل فعل الصحابة، فإنّ أبا بكر - رضي الله عنه - كان مشغولًا بتسوية الأمور، وتسكين الفتنة فكانوا يصلّون عليه قبل حضوره فكان الحق له؛ لأنه هو الخليفة، فلما فرغ صلّى عليه، ثم لم يُصلّ أحد بعده عليه. كذا في «المبسوط» (١٥).


(١) ينظر: المرجع السابق.
(٢) [ساقط] من (ب).
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٢٠.
(٤) سبق ترجمته (ص ١٣٥).
(٥) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٢٢٥.
(٦) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩٠.
(٧) [ساقط] من (ب).
(٨) أخرجه البخاري في «صحيحه» (٢/ ٨٧)، كتاب الجنائز، باب صفوف الصبيان مع الرجال في الجنائز، رقم (١٣٢١). ومسلم في «صحيحه» (٢/ ٦٥٩)، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، رقم (٩٥٦).
(٩) [ساقط] من (ب).
(١٠) أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (١/ ٣١ - ٢٢).
(١١) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٢٠.
(١٢) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٢٠.
(١٣) أخرجه أبو داود في «سننه» (١/ ٤٠٥)، كتاب الصلاة، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، رقم (١٠٤٩)، وابن ماجه في «سننه» (١/ ٣٤٥)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في فضل الجمعة، رقم (١٠٨٥)، والنسائي في «سننه» (٣/ ٩١)، كتاب الجمعة، باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم يوم الجمعة، رقم (١٣٧٤). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: ٣/ ٨٥): صحيح.
(١٤) سورة الأحزاب من الآية: (٦).
(١٥) ينظر: المبسوط؛ للسرخسي: ٢/ ١٢٠، ١٢١.