للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: إن حقّ الميّت، وإن صار مقضيًّا [في حق المتابعة في الصلاة] (١) بالصلاة [مرة واحدة] (٢)، فلا يوجب سقوطه أصلًا فيجوز أن يبقى حقه ثانيًا [في المبالغة في الصلاة] (٣)؛ لأنها في [حق] (٤) الحقيقة دعاء للميت، وهو باقٍ كالوضوء شرع لإقامة الصلاة، والفرض يسقط بوضوء واحد [ما] (٥) لم يحدث اكتفاء به، ولكن إن أعاد لكل صلاة كان حسنًا، وقاضيًا به حق الصلاة على أكمل الوجهين؟.

قلنا: إنّ الأصل في الباب قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} (٦)، فكان على هذا أن لا ينتفع الميت بالصلاة عليه، وأن لا يقضي حقّه بعمل غيره، وإنما عرفنا هذا القضاء شرعًا بخلاف القياس، ولمّا كان هو ثابتًا بالشرع بخلاف القياس، وأنّه سقط بالمرة الواحدة، فلم يتصوّر الثاني قضاء من عندنا بلا توقيف بخلاف الدّعاء، والاستغفار، فإن التوقيف فيه باقٍ كما بقي الأمر بالصلاة على الرسول بعده على سبيل الدعاء، وأمّا الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد روي: «أنّه توفي يوم الاثنين [وصلي عليه] (٧)، ودُفن يوم الأربعاء» (٨)، وأخّر الصلاة عليه، والتأخير مكروه في غيره بالإجماع، ثم يحتمل أنّ الصلاة عليه كانت فرض عين على الصحابة؛ لعظم حقه، كالدعاء اليوم فرض عين على المسلمين أجمع مرّة واحدة، بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} (٩)، (١٠) فكان تكرار الصلاة عليه من كلّ أحد لأداء فرض عليه (١١). كذا في «الأسرار» (١٢).

(صلّى على قبره) (١٣)، وإنّما لا يخرج الميت عن القبر؛ لأنه قد سلّم إلى الله تعالى، وخرج عن أيدي الناس جاء في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: «القبر أوّل منزل من منازل الآخرة» (١٤) قالوا: وما ذكر أنّه لا يخرج من القبر، فذلك فيما إذا وضع اللبن على اللحد، وأهيل التُّراب عليه أما لم يوضع اللبن على اللحد أو وضع لكن لم يهل التراب عليه يخرج، ويصلّى عليه؛ لأن التسليم لم يتم بعد. كذا في «المحيط» (١٥).


(١) [ساقط] من (ب).
(٢) [ساقط] من (ب).
(٣) [ساقط] من (ب).
(٤) [ساقط] من (ب).
(٥) [ساقط] من (ب).
(٦) سورة النجم الآية: (٣٩).
(٧) [ساقط] من (ب).
(٨) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٣/ ٧٥ - رقم ٤٨٢٥) مطولًا، وأبو يعلى في «مسنده» (١/ ٣١ - ٢٢).
(٩) سورة الأحزاب من الآية: (٥٦).
(١٠) ينظر: الكشاف: ٣/ ٥٦٦.
(١١) ينظر: بدائع الصنائع: ١/ ٣١٣، حاشية الطحاوي: ١/ ٣٩١، حاشية ابن عابدين: ١/ ٥٤٨.
(١٢) ينظر: كشف الأسرار: ٤/ ٢٣٦.
(١٣) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩٠.
(١٤) أخرجه الترمذي في «سننه» (٤/ ٥٥٣)، كتاب الزهد، رقم (٢٣٠٨)، من حديث عثمان رضي الله عنه. قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن الترمذي: ٥/ ٣٠٨): حسن.
(١٥) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٥٤.