للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وإذا بلغوا إلى قبره يكره أن يجلسوا قبل أن يوضع عن (١) أعناق الرجال) (٢) فإذا وضعت عن الأعناق جلسوا، ويكره القيام، وإن كان القوم في المصلّى، فجيء بجنازة [تكلّموا] (٣) قال بعضهم: يقومون لها إذا رأوها قبل أن يوضع، وقال بعضهم: لا يقومون، وهو الصحيح، وهو شيء كان في الابتداء، ثم انتسخ. كذا في «الجامع الصغير» لقاضي خان -رحمه الله- (٤).

(وكيفية الحمل أن يضع مقدَّم الجنازة على يمينك) (٥) هذا لفظ «الجامع الصغير»، بلفظ الخطاب، خاطب به أبو حنيفة أبا يوسف -رحمه الله-، قال يعقوب: رأيت أبا حينفة -رحمه الله- يصنع هكذا، قال الإمام المحبوبي، وهذا دليل تواضعه.

قلت: وقد حمل الجنازة من هو أفضل منه، بل أفضل جميع الخلائق، وهو نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - فإنّه حمل جنازة سعد بن معاذ - رضي الله عنه - (٦) على ما ذكرنا لما أنّ حمل الجنازة عبادة، فيجب على كلّ أحد أن يتبادر في العبادة (٧)، (٨).

ثم اعلم أن في حمل الجنازة سنتين نفس السنة، وكمالها أمّا نفس السنة هي أن يأخذ الجنازة بقوائمها الأربع على طريق التعاقب بأن يحمل من كل جانب عشر خطوات، جاء في الحديث: «من حمل جنازة أربعين خطوة كفرت له أربعين كبيرة» (٩)، وهذا يتحقق في حق الجميع، وأمّا كمال السنة فلا يتحقّق إلا في حق الواحد، وهو أن يبدأ الحامل بحمل يمين مقدّم الجنازة؛ إذ ليس لمقدم الجنازة إلا يمين واحد فلذلك لا يكون البداية بها إلا للواحد (١٠).

[١٦١/ أ] فلذلك قال في «المبسوط» (١١): ومن أراد كمال السنة في حمل الجنازة [إلا يمين واحدة، ولذلك تكون البداية] (١٢) ينبغي أن يحملها من الجوانب الأربعة يبدأ بالأيمن/ المقدّم، ثم بالأيمن المؤخّر، وذكر شيخ الإسلام -رحمه الله-: وإنما أراد باليمين المقدّم يمين الميت [ثم قال] (١٣): فإذا حملت جانب السرير الأيسر فذلك يمين الميّت؛ لأن يمين الميّت على يسار الجنازة؛ لأن الميت وضع عليها على قفاه، فكان يمين الميّت يسارها، ويساره (١٤) يمينها، ثم المعنى في الحمل على هذا الوجه أمّا البداية بالأيمن المقدّم، وذلك يمين الميّت، ويمين الحامل؛ فلأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب التيامن في كل شيء (١٥)، والمقدّم أيضًا أوّل الجنازة، والبداية بالشيء إنما يكون من أوّله، ثم يتحوّل إلى الأيمن المؤخّر؛ لأنه [لو تحوّل] (١٦) إلى الأيسر المقدّم احتاج إلى المشي أمامها، والمشي خلفها أفضل، فلمّا مشى خلفها، وبلغ الأيمن المؤخّر حمله؛ لأن له رجحان التيامن أيضًا فبقي جانبان الأيسر المقدّم، والأيسر المؤخّر فيختار تقديم الأيسر المقدّم على الأيسر المؤخّر لمعنيين:


(١) في (ب): " من ".
(٢) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩١.
(٣) [ساقط] من (ب).
(٤) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٦٦.
(٥) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩١.
(٦) سبق تخريجه (ص ٢٦٦).
(٧) في (ب): " الحمل ".
(٨) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٣٦.
(٩) أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (٦/ ٩٩ – ٥٩٢٠)، من حديث أنس رضي الله عنه. قال الهيثمي في (مجمع الزوائد: ٣/ ١٢٦): رواه الطبراني في «الأوسط»، وفيه علي بن أبي سارة وهو ضعيف.
(١٠) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٣٦.
(١١) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٠٠، ١٠١.
(١٢) [ساقط] من (ب).
(١٣) [ساقط] من (ب).
(١٤) في (ب): " يسار الميت ".
(١٥) أخرجه النسائي في «سننه» (٨/ ١٣٣)، كتاب الزينة، باب التيامن في الترجل، رقم (٥٠٥٩). من حديث عائشة رضي الله عنها، قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن النسائي: ١١/ ١٣١): صحيح.
(١٦) في (ب): "لم يتحول".