للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشافعي -رحمه الله-: المشي أمامها أفضل لما روي: «أنّ أبا بكر، وعمر رضي الله عنهما كانوا يمشيان أمام الجنازة» (١)، ولأن القوم شفعاء (٢) الميت، والشفيع يتقدّم في العادة على من يشفع له، ولنا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنه كان يمشي خلف جنازة سعد ابن معاذ» (٣)، وأن علي بن أبي طالب كان يمشي خلف الجنازة فقيل له: «إن أبا بكر، وعمر رضي الله عنهما كانا يمشيان أمامها، فقال: يرحمهما الله قد عرفا أنّ المشي خلفها أفضل، ولكنّهما أرادا أن ييسر الأمر على النّاس» (٤)، معناه: أنّ الناس يتحرّزون عن المشي أمامهما، فلو اختارا المشي خلفها لضاق الطريق على من يشيعها، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «فضل المشي خلف الجنازة على المشي (٥) أمامها كفضل المكتوبة على النافلة» (٦)، ولأنّ المشي خلفها (٧) أوعظ، فإنّه ينظر إليها، ويتفكّر في حال نفسه، وربّما يحتاج إلى التعاون في حملها، وقال (٨): إنّ القوم شفعاء، فيشكل بحال الصّلاة، فإنّ الميت يتقدّم على القوم مع كون القوم شفعاء له، فكذا حالة المشي، والشفيع إنّما يتقدّم على من يشفع له في العادة للتحرز عن تعجيل من يطلب منه الشفاعة بعقوبة من يشفع له حتّى يمنعه من ذلك إذا عجّل به، وذلك لا يتحقّق هاهنا. كذا في «المبسوطين» (٩).

وقال الإمام البقالي (١٠): المشي أمام الجنازة واسع ما لم يتباعد عنها، ويكره أن يتقدّم الكلّ عليها، وفي موضع لا يمشي يمينها، وشمالها، ويكره لمشيها رفع الصوت بالذكر، والقراءة؛ لأنه فعل الكتابي، ويذكر في نفسه، والتشبّه بالكافر فيما لنا منه برّ مكروه. كذا ذكره الإمام التمرتاشي -رحمه الله- (١١).


(١) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٤/ ٢٥ - ٦٦٥٩) من حديث عبد الرحمن بن أبزى.
(٢) في (ب): " شفيع ".
(٣) أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (٦/ ١٦١ – ٥٨٦٣)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. وفيه: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمشي خلف الجنازة».
(٤) أخرجه أحمد في «مسنده» (٢/ ١٥٠ - ٧٥٤)، قال شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره، وإسناده ضعيف لجهالة عبدالله بن يسار.
(٥) [ساقط] من (ب).
(٦) أخرجه ابن حجر في (الدراية في تخريج أحاديث الهداية ١/ ٢٣٧)، وفيه عن علي رضي الله عنه.
(٧) في (ب): " عليها ".
(٨) في (ب): " وقوله ".
(٩) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٠١، ١٠٢، العناية شرح الهداية ١٣٥.
(١٠) محمد بن أبي القاسم بن بايجوك البقالي الخوارزمي الآدمي النحوي أبو الفضل، فقيه حنفي، الملقب زين المشايخ. قال ياقوت: كان إمامًا في الأدب، وحجة في لسان العرب، أخذ اللغة والإعراب عن الزمخشري وجلس بعده مكانه، وسمع الحديث منه ومن غيره. وله من التصانيف: "مفتاح التنزيل"، "الإعجاب في الإعراب"، "شرح أسماء الله تعالى"؛ وغير ذلك. مات في سلخ جمادى الآخرة سنة اثنتين وستين وخمسمائة عن نيف وسبعين سنة. ينظر: طبقات المفسرين للسيوطي: ص ١٠٢، وبغية الوعاة: ١/ ٢١٥، والأعلام للزركلي: ٦/ ٣٣٥.
(١١) ينظر: الفتاوى الهندية: ١/ ١٦٢، شرح فتح القدير: ٢/ ١٣٦.