للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمّا الثاني: فلأن الرض بالصخور، والخشب أقيم مقام الإدماء تيسيرًا على النّاس لإعذار الاطلاع على ذلك، وأمّا حديث حنظلة بن أبي عامر - رضي الله عنه - (١)، (٢) إنما غسّلته الملائكة إكرامًا له، ولو كان الغسل واجبًا؛ لكان وجوبه على بني آدم، ولما اكتفى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغسل الملائكة إياه، وحيث اكتفى دلّ أنّه لم يكن واجبًا. كذا في «المبسوط» (٣)، و «الفوائد الظهيرية» (٤).

(ولأبي حنيفة -رحمه الله-: أنّ الشّهادة عرفت مانعةً غير رافعة فلا ترفع الجنابة) (٥)، ألا ترى أنّه لو كان في ثوب الشهيد نجاسة يغسل تلك النجاسة، ولا يغسل الدّم عنه لما ذكره من المعنى.

فإن قلت: تنتقض هذه النكتة بالحدث، فإنّ المحدث إذا استشهد لا توضأ أعضاء وضوئه بالاتفاق، فكانت الشهادة رافعة لحدثه، فيجب أن تكون رافعة لجنابته علم بهذا أنّ الشهادة عرفت رافعة أيضًا؟.

قلت: النكتة مستقيمة غير منقوضة، ولكن سقوط غسل أعضاء الوضوء لمعنى ضروري، وهو أنّ الشرع جعل القتل على سبيل الشهادة مانعًا من نجاسة تثبت بالموت في الأعضاء كلها، فحينئذ لا يتصوّر أن يكون مانعًا من ثبوت النجاسة في حق أعضاء الوضوء إذا لم يعتبر رافعًا للحدث فيها؛ لأن الموت لا يخلو عن حدث يكون قبله لما أنّه لا يخلو عن زوال عقل في آخر الموت، وبذلك يصير محدثًا، فلو لم يعتبر رافعًا للحدث الأصغر وجب غسل هذه الأعضاء من كل شهيد، فحينئذ لا يظهر فائدة المنع في حق هذه الأعضاء (٦)، فلهذه الضرورة اعتبر رافعًا في حق الحدث، ولا ضرورة في الجنابة؛ لأن الموت يخلو عن الجنابة فلا يعتبر رافعًا في حق الجنابة من غير ضرورة، كما لم يعتبر بالاتفاق رافعًا في حقيقة (٧) النجاسة؛ لأنه لا ضرورة في رفعها، ولأن الحدث أدنى فلا يُقاس عليه إلا الأعلى خصوصًا [ما] (٨) إذا كان المانع موجودًا، ولأنّ النصّ مقدّم على القياس (٩).


(١) حنظلة بن أبي عامر عبد عمرو بن صيفي بن أمة بن زيد بن عوف بن عمرو بن عوف بن الأوس، غسيل الملائكة، له صحبة، استشهد يوم أحد. ينظر: الجرح والتعديل: ٣/ ٢٣٩، الإصابة في تمييز الصحابة: ٢/ ١٣٧.
(٢) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٤/ ١٥ - ٦٦٠٥)، من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.
(٣) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٠٣.
(٤) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٤٦، ١٤٧.
(٥) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩٢.
(٦) في (ب): "الأشياء".
(٧) في (ب): " حق ".
(٨) [ساقط] من (ب).
(٩) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٤٦.