للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(ومن قتل في حد أو قصاص غُسل) (١) لما روي أنّ ماعزًا - رضي الله عنه - (٢) لما رجم جاء عمه إلى رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: قتل ماعز كما تقتل الكلاب، فماذا تأمرني أصنع به، فقال: «لا تقل هذا، فقد تاب توبة لو قسِّمت توبته على أهل الأرض لوسعتهم، اذهب فاغسله، وكفنه، وصل عليه» (٣). كذا في «المبسوط» (٤).

[١٦٥/ ب] (ومن قتل من البغاة أو قطّاع الطريق لم يُصلّ عليه) (٥)، وهذا مذهبنا، وقال الشافعي -رحمه الله-: يصلّى عليه؛ لأنه مؤمن قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} (٦) إلا أنه مقتول بحق فهو كالمقتول في رجم أو قصاص، ولنا حديث علي - رضي الله عنه - أنّه لم يغسل أهل الخوارج يوم النهروان، ولم يُصلّ عليهم، فقيل له: أهم كفار؟ فقال: «لا، ولكنهم إخواننا بغوا علينا» (٧)، أشار إلى أنّه إنما ترك الغسل، والصلاة عليهم عقوبة لهم، و/ زجرًا لغيرهم، وهو نظير المصلوب يترك على خشبته عقوبة، وزجرًا لغيره، ومن قتل نفسه خطأ بأن ناول رجلًا من العدوّ ليضربه فأخطأ، وأصاب نفسه، ومات، فإنّه يغسل، ويكفّن، ويصلّى عليه، وهذا بلا خلاف (٨).

وأمّا من تعمّد قتل نفسه بحديدة هل يصلّى عليه؟.

اختلف فيه المشايخ بعضهم قالوا: لا يصلّى عليه، وكان شمس الأئمة الحلواني -رحمه الله- يقول: الأصحّ عندي أنّه يصلّى عليه، وتقبل توبته إن [كان] (٩) تاب في ذلك الوقت؛ لقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (١٠)، وكان القاضي الإمام علي السغدي -رحمه

الله- (١١) يقول: الأصحّ عندي أنّه لا يصلّى عليه، لا لأنه لا توبة له لكن لأنه باغ على نفسه، والباغي لا يصلّى عليه. كذا في «المحيط» (١٢).


(١) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩٣.
(٢) ماعز بن مالك المرجوم له صحبة وليست له رواية قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد رجمه رأيته يتخضخض في أنهار الجنة. ينظر: الثقات لابن حبان: ٣/ ٤٠٤، الجرح والتعديل: ٨/ ٣٩١، الإصابة في تمييز الصحابة: ٥/ ٧٠٥.
(٣) أخرجه مسلم في «صحيحه» (٣/ ١٣٢١)، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، رقم (١٦٩٥)، من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه.
(٤) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٩٣.
(٥) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩٣.
(٦) سورة الحجرات من الآية: (٩).
(٧) أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (٨/ ٣٧٧ - ٨٩٢٨) مختصرًا.
(٨) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣١٠، ٣١١.
(٩) [ساقط] من (ب).
(١٠) سورة النساء من الآية: (٤٨، ١١٦).
(١١) علي بن الحسين بن محمد السغدي، أبو الحسن: فقيه حنفي. أصله من السغد (بنواحي سمرقند) سكن بخارى، وولي بها القضاء، وانتهت إليه رياسة الحنفية. ومات في بخاري. له: "النتف" في الفتاوى، و"شرح الجامع الكبير". ينظر: الجواهر المضية: ١/ ٣٦١، الأعلام للزركلي: ٤/ ٢٧٩، معجم المؤلفين: ٧/ ٧٩.
(١٢) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٣٨.