للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(إلا إذا علم أنّه قتل بحديدة ظلمًا) (١)، أي: حينئذ لا يغسل هذا إذا علم قاتله عينًا، وأمّا أنه قتل بحديدة، ولكن لا يعلم قاتله يغسل لما أنّ الواجب هناك الدية، والقسامة على أهل المحلة. كذا في «المحيط» (٢).

قلت: وهذا القيد يستفاد من لفظ الكتاب بقوله؛ لأن الواجب فيه القصاص، فوجوب القصاص إنما يكون على القاتل المعلوم (٣).

قوله -رحمه الله-: (وهو عقوبة) (٤)، أي: القصاص عقوبة، وليس بعوضٍ حتّى يخف أثر الظلم [به] (٥) كما في الديّة، ولئن كان عوضًا لكن نفعه يعود إلى الورثة لا إليه؛ لأن المقصود من القصاص ليس إلا يشفي الصدور، ودرك الثأر، وهذا يتحقّق في حق الأحياء، فلم ينتفع الميت به فلا يخفّ أثر الظلم بخلاف الدية؛ لأن نفعها يعود إلى الميت حتى يقضي ديونه، وينفذ، وصاياه. كذا في «مبسوط فخر الإسلام» -رحمه الله (٦).

(والقاتل لا يتخلّص عنه ظاهرًا) (٧) أي: والقاتل ظلمًا لا يتخلّص عن القصاص ظاهرًا، إمّا في الدنيا على تقدير استيفاء القصاص، أو في العقبى على تقدير عدم الاستيفاء، فلو كان وجوب القصاص مانعًا للشهادة حينئذ لما تصوّر وجود شهيد ما، وهو موجود، ثم كون الذي قُتل ظلمًا بحديدة في المصر شهيدًا حتّى لا يغسل مذهبنا، وقال الشافعي -رحمه الله-: يغسل، وهو بناء على أن عنده القتل العمد موجب للدية كالخطأ، فإذا وجب عن نفسه بدل هو مال [غسل] (٨)، وعندنا العمد غير موجب للمال، فهو مقتول ظلمًا لم يجب عن نفسه بدل هو مال فكان شهيدًا، واعتمادنا فيه على حديث عثمان - رضي الله عنه -، فقد قتل في المصر، وكان شهيدًا لم يُغسل (٩)، ومن قتل بغير سلاح غسل؛ لأن هذا في معنى الخطأ. كذا في «المبسوط» (١٠).

فإن قيل: الذي وجب القصاص بقتله ليس في معنى شهداء أُحد؛ إذ لم يجب بقتلهم شيء؟.

قلنا: فائدة القصاص ترجع إلى وليّ القتيل، وسائر النّاس دون المقتول، فلم يحصل له بالقتل شيء كما لم يحصل لشهداء أُحد بخلاف الدية على ما ذكرنا. كذا في «المحيط» (١١).


(١) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩٣.
(٢) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٠٩.
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٤٩.
(٤) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩٣.
(٥) [ساقط] من (ب).
(٦) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٤٩.
(٧) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٩٣.
(٨) [ساقط] من (ب).
(٩) أخرجه ابن سعد في (الطبقات الكبرى: ٣/ ٧٢).
(١٠) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٩٣.
(١١) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٠٩، ٣١٠.