للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في «الوجيز» (١) للغزالي (٢): فالمصلّي في جوف الكعبة يستقبل أي جدار شاء، ويستقبل الباب، وهو مردود، وإن كان مفتوحًا (٣)، والعتبة مرتفعة قدر مؤخرة الرجل جاز، ولو انهدمت (٤) الكعبة -والعياذ بالله- صحّ صلاته خارج العرصة متوجّهًا إليها كمن صلّى على أبي قبيس، والكعبة تحته، وإن صلّى فيها لم يجز إلا أن يكون بين يديه شجرة أو بقيّة حائط، والواقف على السطح كالواقف في (٥) العرصة، فلو وضع شيئًا بين يديه لا يكفيه، ولو غرز خشبة فوجهان.

وفي «الخلاصة الغزالية»: ويجوز الصلاة في الكعبة إلى بعض بنيانها، [والله أعلم بصحته] (٦)، ولمالك -رحمه الله- في الفرض، فإنّه يجوّز التطوع في [جوف] (٧) الكعبة، ولا يجوّز الفرض، ويقول: لأنه متى صلّى في جوف الكعبة، [فهذا إذا] (٨) يستقبل بعضًا من الكعبة، فقد استدبرت بعضًا منها، واستدبار الكعبة موجب للفساد كما لو حصل الاستدبار خارج الكعبة، واستقبال الكعبة موجب للجواز، فقد اجتمع ما يوجب الجواز، وما يفسد، فيترجّح جانب الفساد احتياطًا لأمر العبادة، وكان القياس في التطوّع أن لا يجوز في جوف الكعبة بهذا إلا أني تركت القياس بالأثر، والأثر ورد في التطوّع لا في الفرض، فلا يترك القياس في الفرض لما أنّ النص الوارد في التطوع لا يكون واردًا في الفرض؛ لأنه [قد] (٩) سوهل في التطوع ما لم يساهل في حق الفرض (١٠).

[١٦٦/ أ] ألا ترى أنّ التطوّع قاعدًا جائز (١١) حالة الاختيار، والفرض لا يجوز، وقاس الصّلاة بالطواف، فإنّ من طاف في جوف الكعبة [لا يجوز طوافه بخلاف خارج الكعبة، واحتّج أصحابنا بأنّه توجّه إلى جهة من الكعبة] (١٢) فيجزيه قياسًا على ما لو صلّى خارج الكعبة، فإنّه إذا كان خارج الكعبة لا يتوجّه إلى الكلّ، فكذا في جوف الكعبة، ودليله التطوّع، فإنّ التطوّع والفرض فيما هو من شرائط الجواز يستويان، وإن كانا مختلفان في الأركان فيجوز سواء كان هناك بناء أو لم يكن، ألا ترى أنّ البناء ينقل إلى موضع آخر، ولا يكون قبلة، وقد رفع البناء في عهد ابن الزبير حتّى بنى البيت على قواعد الخليل - صلى الله عليه وسلم -، وفي عهد الحجاج (١٣) حين أعاده إلى ما كان عليه في الجاهلية/ كان يجوز الصلاة للنّاس، وإن لم يكن هناك بناء (١٤).


(١) ينظر: شرح الوجيز: ٣/ ٢١٩، ٢٢٠.
(٢) محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي بتشديد الزاي. نسبته إلى الغزال -بالتشديد- على طريقة أهل خوارزم وجرجان ينسبون إلى العطار عطاري، وإلى القصار قصاري، وكان أبوه غزالًا، أو هو بتخفيف الزاي نسبة إلى غزاله قرية من قرى طوس. فقيه شافعي أصولي، متكلم، متصوف. رحل إلى بغداد، فالحجاز، فالشام، فمصر وعاد إلى طوس. من مصنفاته: "البسيط"، و"الوسيط"، و"الوجيز"، و"الخلاصة" وكلها في الفقه، و"تهافت الفلاسفة"، و"إحياء علوم الدين". ينظر: طبقات الشافعية: ٤/ ١٠١، الوافي بالوفيات: ١/ ٢٧٧، الأعلام للزركلي: ٧/ ٢٢.
(٣) في (ب): "متبوعا".
(٤) في (ب): "ارتفعت".
(٥) في (ب): "على".
(٦) [ساقط] من (ب).
(٧) [ساقط] من (ب).
(٨) في (ب): " فهو أنا".
(٩) [ساقط] من (ب).
(١٠) ينظر: الفتاوى الهندية: ١/ ٦٣.
(١١) في (ب): " يجوز ".
(١٢) [ساقط] من (ب).
(١٣) أبو مُحَمَّد الحجاج بن يُوسُف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر الثقفي. قال ابن قتيبة: هو من الأجلاف. قال: وكان أخفش، دقيق الصوت، تولى قتال ابن الزبير -رضي الله عنه-، فقهره على مكة والحجاز، وقتل ابن الزبير وصلبه بمكة سنة ثلاث وسبعين، فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين، وكان يصلي بالناس، ويقيم لهم الموسم، ثُمَّ ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فوليها عشرين سنة، توفى بواسط ودفن بها، سنة خمس وتسعين. (تهذيب الأسماء واللغات ١/ ١٥٣).
(١٤) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٤٣.