للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمّا قوله: (استدبر بعض الكعبة)، قلنا: استدبر بعضًا من الكعبة لم يؤمر بالتوجّه إليه، فإنّه ما أمر بالتوجه إلى الجوانب كلها في حالة واحدة؛ لأن ذلك غير ممكن، والأمر ينصرف إلى ما في وسع الإنسان، وليس في وسعه إلا توجّه البعض، فيكون مأمورًا بذلك لا غير، واستدبار ما لم يؤمر بالتوجّه إليه لا يفسد الصّلاة، وليس (١) الصّلاة كالطّواف، فإن الطّواف بالبيت لا فيه، ألا ترى أن الطّواف خارج المسجد لا يجوز بخلاف الصّلاة (٢).

وأمّا قوله: (واستدبار الكعبة موجب للفساد، كما في خارج الكعبة) قلنا: إذا استدبر خارج البيت لا يجوز؛ لعدم الاستقبال الذي هو شرط الجواز للاستدبار. كذا في «المبسوطين» (٣)، و «الأسرار» (٤). [إلا أن في «الأسرار»] (٥) ذكر خلاف مالك في مطلق الصّلاة من غير فصل في الحكم بين الفرض، والنفل، فإن صلّى الإمام بجماعة فيها، فجعل بعضهم ظهره إلى ظهر الإمام جاز، وكذلك إذا كان وجههم إلى وجه الإمام، فإنّ صلاة الكلّ جائزة؛ لأنّه وإن كان قدّام الإمام، فهو مقبل على متابعة الإمام؛ لأنه مقبل إليه بوجهه، والمقبل بوجهه إلى إنسان متابع له كالابن إذا قام بين يدي أبيه، ووجهه إلى وجه الأب يكون مقبلًا على طاعته، وخدمته فكذا هذا، وفي خارج الكعبة إنما لا يجوز إذا قام بين يدي الإمام، ووجهه إلى وجه الإمام لا لعدم المتابعة، ولكن لاستدبار القبلة، وهاهنا مستقبل للقبلة متابع للإمام متى كان وجهه إلى وجه الإمام، فيكون صلاته جائزة، فأمّا من كان ظهره إلى وجه الإمام، فهو إن استقبل القبلة إلا أنّه معرض عن متابعة الإمام كالابن يقوم بين يدي الأب، وظهره إلى وجه الأب لا يكون مقبلًا على طاعته، وخدمته فكذا هذا. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٦).

وحاصله: أن من صلّى في جوف الكعبة مقتديًا بالإمام، فلا يخلو عن أوجه أربعة، أمّا إن كان وجهه إلى ظهر الإمام فهو جائز سواء كان في جوف الكعبة، أو في غيره، أو وجهه إلى وجه الإمام، وهو أيضًا جائز إلا أنّه يكره استقبال الصّورة. كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- في «المبسوط» (٧)، وعلّل في «الإيضاح»، وقال: وينبغي لمن يواجه الإمام أن يجعل بينه وبين الإمام سترة احترازًا عن التشبّه بعابد الصورة، أو كان ظهره إلى ظهر الإمام، فهو أيضًا جائز؛ لكون كل جانب قبله يتعين، فلم يكن هو معتقد الخطأ في صلاة إمامه، أو كان ظهره إلى وجه الإمام، فإنّه لا يجوز لتقدمه على إمامه، وأمّا إذا كان على يمين الإمام أو يساره، فهو أيضًا جائز، وهذا ظاهر (٨).


(١) في (ب): " نفس".
(٢) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٤٤.
(٣) ينظر: المبسوط للسرخسي ٢/ ١٤٤.
(٤) ينظر: كشف الأسرار: ٤/ ٣٧.
(٥) [ساقط] من (ب).
(٦) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٥١.
(٧) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٤٤.
(٨) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٥١، رد المحتار: ٢/ ٢٥٤.