للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويُرَجِحُ الحُكْمُ في حقَّ الخُمس احتياطًا كما في الكنز والحقيقةُ في حقِّ الأربعةِ الأخماسِ حتى كانتْ للواجدِ، أي: حتى كانت الأربعةُ الأخماس للواجدِ سواءً كان ذلك (١) الواجدُ حُرًّا، أو عبدًا مُسلمًا، أو كافرًا ذِميًّا، أو صبيًّا، أو بالغًا، أو رجلًا، أو امرأةً في أنه يُؤخذُ منه الخمسُ، والباقي للواجدِ؛ لأنّ استحقاقَ هذا المالِ كاستحقاقِ الغنيمةِ، ولجميعِ مَنْ سميّنا حقٌّ في الغنيمةِ إمّا سهمًا، أو رضخًا (٢)، فإنَّ الصبيَّ، والمرأةَ، والعبدَ، والذِميَّ.

يرضخُ لهمْ إذا قاتلوا، ولا يبلغُ نصيَبهم السهمَ تحرزًا عن المساواةِ بينَ التابعِ والمتبوعِ، وهاهنا لا يُزاحمُ للواجد في الاستحقاق حتى يعتبرَ التفاضُلَ، فلهذا كانَ الباقي له، والذي رُوِيَ: أنَّ عبدًا وَجَدَ جَرّةً مِنْ ذَهَبٍ على عهدِ عُمَر -رضي الله عنه- فأدَّى ثمَنهُ منهُ وأعتقَه (٣)، وجعلَ ما بقيَ لبيتِ المالِ (٤)، أنُه كانَ وجدَهُ في دارِ رجلٍ، فكانَ لِصاحِبِ الخِطَّةِ (٥)، فلم يبقَ أحدٌ مِن ورثته فلهذا ُصرِفَ إلى بيتِ المال، ورأى المصلحة في أن يُعطيَ ثمنه مِنْ بيتِ المالِ ليوصل إلى العتق، كذا في "المَبْسُوط" (٦).

فإن قلتَ: لو كانَ الموجودُ من العددِ ما دوَنهُ مِنَ النصابِ، والواجُد فقُيرُ ينبغي أنْ لا يجبُ الخمسُ لما أنْ يصَرفَ الخُمسَ الفقيرُ، وهو فقُيرُ كما في اللُّقَطَةِ (٧)، وكذلك لو كانَ الموجودُ نصِابًا، والواجدُ مديون.

قلتُ: الحديثُ عامٌ، وهو قولُه -عليه الصلاة والسلام- «في الرِّكَازِ الخُمسُ» (٨)، وهو يتناولَ الفقيرَ والمديونَ، ولأنه ليسَ يجبُ على الواجدِ، ولكنَ الخمُس صار حقًّا لمصارفِ الخمُس حين وقع هذا في يدِ المسلمين من يدِ أهلِ الحربِ فلا يختلفُ باختلافِ مَنْ يُظهره، كذا في "المَبْسُوط" (٩).


(١) بياض في (أ) وفي (ب) (سواء كان ذلك الواجد حراً).
(٢) الرضخ: العطية القليلة والمقاربة. يُنْظَر تاج العروس (٧/ ٢٥٩)، النهاية في غريب الأثر (٢/ ٥٥٦).
(٣) يُنْظَر: كنز العمال (١٦٨٨١).
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٢/ ٣٨٣).
(٥) الخِطّة يراد بها ما خَطّه الإمام حين فتح البلدة وقسّمَها بين الغانِمين. يُنْظَر: المُغْرِب (١/ ٢٦٠).
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٢/ ٣٨٣).
(٧) اللُّقَطَةُ: بفتح القاف اسم الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه. يُنْظَر: المصباح المنير (٢/ ٥٥٧)، المعجم الوسيط (٢/ ٨٣٤).
(٨) سبق تخريجه ص (١٤٤).
(٩) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٢/ ٣٩١).