للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمرادُ منِ قوله: فيه أي: في الكنزِ على ما ذكرناه، فكانَ ذِكْرُ الكنزِ مقصودًا هناك، وكانَ التمسكُ به أولى كما تمسكَ به في "المَبْسُوط" (١)، أو دِلالةُ الرِّكَازِ على ما ادَّعاهُ المصنفُ مِنَ الكنزِ بسبب دلاِلةُ الرِّكَازِ على الإثبات لا غير، وهو اسمٌ مشتركٌ قد يَدلُ على الكنزِ، وقد يدلُ على المعدنَ، فكان محتملًا كالنصِّ.

وأمّا إرادةُ الكنزِ بسياقِ الحديثِ، وهو فيما تمسكَ به في "المَبْسُوط"، فبدليلٍ غيرِ محتملِ فكان مفُسرًا، فالتمسكَ بالمفسر أولى من التمسك بالنصِّ فإن قلت: ففي ما تمسكَ به المصنفُ -رحمه الله- في الْكِتَابِ شُبهْةً ظاهرة، وهي أنَه تمسك أولًا بهذا الحديثِ بلفظِ الرِّكَاز على/ وجوبُ الخمسِ في المعدنِ، واستدلَ هاهنا بهذا الحديثِ بلفظِ الرِّكَازِ أيضًا على وُجوبِ الخُمس في الكنزِ والرِّكَازُ اسمٌ مشتركٌ بينهما كما ذكرنا، فحينئذ يلزمُ فيما تمسكَ بهَ المصنفُ تعميمُ المشتركِ، والمشتركُ لا عُموَم له بالاتفاقِ خُصوصًا في مَوْضِعِ الإثباتِ (٢) فما وجهه (٣).

قلت: هذا من قبيلِ تعميمِ المعنى الذي له دلاِلةٌ على هذا، ودلاِلة على مكان أن المدلولين حينئذٍ من أنواعِ العامِ لا منِ أنواعِ المشتركِ، فإنَّ الذَّكرَ يدل على الإثباتِ لغةً على ما ذكرنا من رَكَزَ الرُمح إذا أثبتهُ في الأرضِ، ثُمَّ ذلك النبتُ قد يكون مَعْدِنًا، وقد يكونُ كنزًا حتى لو ذَكرَ المنبتَ مكان الرِّكَاز كان ذلك عامًّا لا مشُتركًا، فكذا في لفظِ الرِّكَازِ لأنهُ عبارةُ عنهُ، ونظيرُ هذا قوله تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} (٤) في نفسهِ مشترك بين دَفْعِ البيعِ مقابلة الثمنِ، وبين دَفعِ الثمن بمقابلةِ البيعِ، وهما جميعًا في الآية قراران باعتبارِ عموم المعنى الذي يُوجد في هذا وفي هذا، وهو أنَ البيعَ في أصلهِ عبارةٌ عن مُبادلِة المالِ بالمالِ، وهذا المعنى يجمعهما فكانا مرادين وكذلك قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} (٥)، والنكاحُ: مشتركةً بين الوطئ والعَقْدِ، ولكنَّ النِكاحَ لغةً في أصلٍ يدلُ على الجمع، ومعنى الجمعُ يوُجدُ فيها أو يقول: لمَّا دَلّ هذا الحديثَ على واحدٍ منهما بعينهِ، ثبت الحُكَمُ في الآخر بطريقِ الدِلالَةِ لِوُجودِ المعنى الذيِ ورَد النصُّ فيه بعينهِ في الآخر، وهذا المعنى أيضًا مُتَحِدٌ في جميعِ ما ذكرنا فهو بمنزلة اللُّقطةِ (٦) على الواجد أنْ يُعَرّفَها لأنه عَلِمَ أنّ ذلك مِن وضع المسلمين، ولو وَجَدَ ذلك على وجه الأرض كان لُقطَةً فكذلك إذا وَجَدهُ تحت الأرض وفي اللُّقطةِ يُعرّفُها حيث وجد مَنْ يتوهم أنّ صاحبها يَطلبُها، وذلك يختلف بقلَةِ المالِ، وكثرتُهُ حتى قالوا: في عشرةِ دراهمَ فصاعدًا يُعَرفِها حولًا، وفيما دُونَ الْعُشْرِة إلى ثلاثِة أَشهُرٍ، وفيما دُونَ الثلاثةِ إلى الدرهمِ جمُعةً، وفيما دُونَ الدِّرهَمِ يومًا، وفي فِلْسٍ ونحوه يَنْظُرُ يمنةً، ويسرةً، ثُمَّ يضعه في كفِّ فقيرٍ (٧)، كذا ذكره الإمامُ المحبوبي، والتمرتاتشي رحمهما الله.


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط (٢/ ٣٨٩).
(٢) يُنْظَر: غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر (٢/ ١٤٩)، التقرير والتحبير (١/ ٢٧٥).
(٣) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٣٦)
(٤) سورة الجمعة الآية (٩).
(٥) سورة النساء الآية (٢٢).
(٦) اللقطة: بفتح القاف اسم الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه وهو قول جميع أهل اللغة. يُنْظَر: المصباح المنير (٢/ ٥٥٧).
(٧) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٣٣)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (٦/ ١٢١).