للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولُه -رحمه الله-: (لأنّهُ في معنى المظنونِ) (١)، ولم يَقُلْ: لأنهُ مظنونٌ؛ لأنَّ حقيقةَ المظنونِ أنْ يَثْبُتَ له الظَّنُ بعدَ وُجوبِهِ بيقينٍ، والحالُ أنهُ قد أدَّاهُ فشرعَ فيهِ على ظَنٍّ أنهُ لم يُؤَدِّهِ، ثُمَّ عَلِمَ أنهُ أدّاهُ، وأمّا هاهنا فلمْ يَثْبُتْ وجوبُهُ بيقينٍ، فلمْ يكنْ هو مظنوناً حقيقةً إِلاَّ أنهُ في كُلِّ واحدٍ منهما شُرِعَ مُسْقِطاً للواجبِ عندَه لا مُلزماً كانَ كُلُّ واحدٍ منهما في معنى الآخرِ لمِا روينا، وهو قولُه -عليه الصلاة والسلام-: «لا يُصامُ اليومُ الذي يُشكُّ فيهِ أنهُ مِن رمضانَ إِلاَّ تطوعاً» (٢) فهو بعمومِهِ مُتناولٌ] كُلَّ يومٍ (٣) سوِى التطوعِ بالنَّهيِ، وهذا كذلك إِلاَّ أنَّ هذا دونَ الأولِ في الكراهةِ لاستلزامِ الأولِ التشُّبهَ بأهلِ الكتابِ دونَ الثاني؛ (لأنهُ منهيٌ عنه فلا يتأدَّى بهِ الواجبُ) (٤) اعتباراً بصومِ يومِ العيدِ (٥). والأصحُ: أنهُ ينوبُ عمّا نوى؛ لأنهُ/ يومٌ يجوزُ فيهِ التطوعُ بخلافِ يومِ العيدِ، وأصلُ الكراهةِ لا يمنعُ الجوازَ كالصَّلَاةِ في الأرضِ المغصوبةِ، ولأنهُ قد أدَّى الواجبَ في شعبانَ فيجوزُ، وهو الأصحُّ احترازاً عن القولِ الأولِ؛ لأنَّ المنهَي، أيْ: المنهَي عنُه، وهو التقدمُ على صومِ رمضانَ بصومِ رمضانَ لا يقومُ كُلُّ صومِ، أي: كراهة صومِ يومِ الشكِ بسببِ التقدمِ على رمضانَ يَصومُ للحديثِ الذي يَرويهِ بعدَ هذا، وهو قولُه -عليه الصلاة والسلام-: «لا تتقدموا بصومِ يومٍ، ولا بصومِ يومين» (٦)، وذلك المنهيُّ عنهُ إنما يُوجدُ أنْ لو صامَ يومَ الشكِّ بصومِ رمضانَ هذا، ولا يُوجدُ بصومِ القضاءِ، والكفارةِ، ولا بصومِ التطوعِ، فينبغي على هذا الطريقِ أنْ لا يُكرهَ أصلاً بصومِ واجبٍ آخرَ؛ لانعدامِ هذا المعنى إِلاَّ أنَّ استثناءَ الكراهةِ لتناوُلِ عُمومِ نفي حديثٍ آخَر لقولهِ: «لا يُصامُ اليوُم الذي يُشكُّ فيهِ» (٧) بخلافِ صومِ يومِ العيدِ، قال: وذلك مكروهٌ، أيُّ صومٍ كانَ، لما أنّ معنى النهي هناك تركُ إجابةِ دعوةِ الله تعالى، وهو يُوجدُ بِكلِّ صوم منْ صَوْمِ التطوعِ، والقضاءِ أو الكفارةِ بخلافِ ما نحن فيهِ، فلما افترقَ المعنيانِ في النَّهي في صومِ يومِ الشكِّ، وصومِ يومِ العيدِ افترقَ الحكمانِ أيضاً (٨).


(١) يُنْظَر الهِدَايَة (١/ ١١٩).
(٢) بحثت عنه في كتب الحديث ولم أجده، وقد قال ابن حجر في الدراية (١/ ٢٧٦): لم أجده بهذا اللفظ ا. هـ، وقال الزيلعي في نصب الراية (٢/ ٤٤٠): غريب جدا ا. هـ.
(٣) في (ب) (كل صوم).
(٤) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٩).
(٥) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٣١٧).
(٦) رَوَاهُ النسائي في سننه (٢١٧٤)، كتاب الصيام، باب ذكر الاختلاف على يحيى بن أبي كثير، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال الألباني: حسن صحيح.
(٧) سبق تخريجه، ص (٢٨٠).
(٨) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣١٨).