للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولُه -رحمه الله- (١): (لا يقومُ بكُلِّ صومٍ)، أيْ: لا يُوجدُ بُكلِّ صومِ، بل يُوجدُ بصومِ رمضانَ هذا لا غيرَ، فالمرادُ من القيامِ الوجودِ، والمرادُ بقولهِ -عليه الصلاة والسلام- إلى أنْ قالَ: التقدمُ بصومِ رمضانَ؛ وذلك لأنّ قبلَ الشهرِ وقتٌ للتطوعِ، فلا يصيرُ مُتقدماً بالتطوِّعِ، فخرجَ الجوابُ عن قولهِ: لا تتقدوا بصومِ يومٍ إِلاَّ أنْ يوُافِقَ صومَ أحدِكُمْ كانْ يصَومُهُ، فإنَّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- أباحَ بشرطِ أنْ يكونَ بناءً لا ابتداءً (٢).

قلت: أليسَ فيه نفي الإباحةِ إذا كانَ ابتداءً، بل هو مسكوتٌ عنه فيكونُ موقوفاً إلى قيامِ الدليلِ، وقد قامَ الدليلُ، وهو النَّص المطلقُ، وهو قولُهُ -عليه الصلاة والسلام-: «لا يُصامُ … » (٣) الحديث، والمذهبَ عِنْدَنَا أن المطلقَ لا يحُملُ على المقيدِ (٤).

وأمّا قولُهُ: «مَنْ صَامَ يومَ الشكِّ فقد عصى أبَا القاسِم» (٥)، قلنا: هذا نصٌّ محُتَمَلُ يحتمل النهَي عن الفرضِ (٦)، وعن التطوعِ (٧)، وما روينا مُفِسرُ في إباحةِ التطوعِ؛ لأنه إثباتٌ من النفي، وكان أولى (٨)، كذا وجدْتُ بخطِّ الأستاذِ (٩) -رحمه الله- (١٠) محالاً إلى مختلفات المغني، والمراد من قوله: على سبيل الابتداء هو] أنْ لا يكونَ (١١) له اعتبارُ صومِ يومِ الخميسِ مثلاً فاتفقَ يومَ الخميس كونه يومَ الشكِّ فصامَهَ، والمرادُ بالموافقةِ: أن يعتادَ صيامَ الجمعةِ، أو الخميسِ، أو الاثنينِ، أو يصوم كَلَّ الشهرِ، أو يصوم عشرةِ من آخره، أو ثلاثةً فصاعداً كذا ذَكَره فَخْرُ الْإِسْلَام (١٢).


(١) هو صاحب الهِدَايَة رحمه الله. يُنْظَر الهِدَايَة (١/ ١٢٠).
(٢) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣١٨).
(٣) سبق تخريجه، ص (١٣٧).
(٤) يُنْظَر: أصول السَّرَخْسِي (٢/ ٢٦)، التلخيص للجويني (٢/ ١٦٧).
(٥) أخرجه الترمذي في سننه (٣/ ٧٠)، باب كراهية صوم يوم الشك، من حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنهما-، وقال الترمذي: حديث عمار حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن بعدهم من التابعين ا. هـ، و أبو داود في سننه (٢/ ٢٧٢)، باب كراهية صوم يوم الشك، من حديث عمار أيضاً، والنسائي في سننه (٤/ ١٥٣)، باب صيام يوم الشك، من حديث عمار أيضا، وصححه ابن الملقن في البدر المنير (٥/ ٦٩١).
(٦) يُنْظَر: النافع الكبير (١/ ١٣٧)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٧٨).
(٧) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٩)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣١٧).
(٨) اختلف الفقهاء في حكم صوم يوم الشك بنية التطوع قال أبو حنيفة بجوازه مع عدم الكراهة وبه قال مالك ورواية عن الامام احمد وعند أبي يوسف ومُحَمَّد يكره، وقال الشَّافِعِي لا يصح التطوع إذا انتصف شعبان إذا لم يصل الصِّيَامَ بعد نصف شعبان بما قبله، ولم تكن له عادة في صيام فإنه لا يصح صومه، لحديث أبي هريرة، أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: "إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا" رَوَاهُ أبو داود، والنسائي، والترمذي.
يُنْظَر: العناية (٢/ ٣٢٣)، الاستذكار (٣/ ٣٧١)، الْمُغْنِي (٣/ ٢٦)، الْمَجْمُوع (٦/ ٤٠٤).
(٩) هو: فخر الدين المايمرغي قال في طبقات الحنفية (١/ ٢١٣) (وما ذكر من لفظ الأستاذ فالمراد به فخر الدين المايمرغي).
(١٠) هو: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إلياس الملقب فخر الدين المايمرغي تلميذ الكردري وهو أستاذ السغناقي وعنه روى الهِدَايَة عن الكردري عن المصنف رحمة الله عليهم. يُنْظَر: طبقات الحنفية (٢/ ١١٥).
(١١) في (ب) (ان يكون) وما اثبته هو الموافق للسياق.
(١٢) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٣١٨)، والمَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: (٣/ ١١٥).