للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولُه -رحمه الله- (١): (ويفتي العامةُ بالتلَوُّمِ) (٢)، والفاصِلُ بين الخاصةِ والعامةِ هو أنَّ كُلَّ مِنْ يَعَلمُ نيةَ صومِ يومِ الشكِّ فهو مِن الخواصِ، وإِلاَّ فهوَ مِن العوامِ، والنيةُ أنْ ينويَ التطوعَ مِنْ لا يعتادُ الصَّوْم، ولا يخطرُ ببالهِ أنهُ إنْ كانَ مِن رمضانَ فعن رمضانَ نفياً للتُّهمةِ، أي: تهَمةِ الروافضِ (٣).

وذَكَر في «الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة» (٤): لا خلافَ بينَ أهل السنةِ والجمَاعةِ (٥): أنه لا يُصامُ اليومُ الذي يُشكُّ فيه أنهُ من رَمضانَ عنْ رمضان، وقالتْ الروافضُ: إنْ يُصامُ يومُ الشكِّ عن رِمضانَ. وذَكَر الإمامُ الكشاني -رحمه الله- (٦): بأنُه لو أفتى للعامةِ بأداءِ النفلِ فيهِ عسى يقعُ عندَهُمْ أنهُ خالفَ رسولَ الله -عليه الصلاة والسلام- حيثُ نهى رسولُ اللهِ -عليه الصلاة والسلام- عن صومِ يومِ الشكِّ، وهو أطلقُه أو يقعُ عندَهُمْ أنهُ لما جازَ النفلُ يجوزُ الفرضُ، بل أولى، فلا ينبغي أنْ يفتيَ لهم بِذّلكَ (٧)، وذَكَر فَخْرُ الْإِسْلَام في هذا حكاية أبي يوسفَ -رحمه الله- (٨)، وهي: ما رَوى أسدُ بنُ عمرو -رحمه الله- (٩) أنه قالَ: أتيتُ بابَ الرشيدِ (١٠)، فأقبلَ أبو يوسفَ القاضِي، وعليه عِمامةٌ سودَاءَ، ومُدِرَعةٌ سوداءَ وصف أسود، وهو راكبٌ فرساً أسوداً عليه سرجٌ أسودٌ، ولِبَدٌ أسودٌ، وما عليهِ شيءٌ مِنَ البياضِ إِلاَّ لحيتهٌ البيضاءُ، وهو يومُ الشكِ فأفتى الناسَ بالفِطْرِ، فقلتُ له: أتفطِرُ أنتَ، فقالَ: ادنُ إليَّ، قال في أذني: إني صائِم (١١)، وإنما يُفتيِ بالفِطْرِ بعد التلوُّمِ زماناً لمِاَ رُوِيَ عن النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- أنهُ قالَ: «أصبحوا يومَ الشكِّ مفطرين متلومِينَ» (١٢)، (والرابع: أنْ يضجِعَ في أصلِ النيةِ) (١٣)، التضجْيِعُ في النيةِ الترددُ فيها بأنْ لا يبيُّتها مِن ضَجَعَ في الأمِر إذا وَهَنَ فيه، وقَصَر كذا في «المُغْرِب» (١٤).


(١) هو صاحب الهِدَايَة -رحمه الله-. يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٠).
(٢) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٠).
(٣) يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ٢٠١).
(٤) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٨٤)، المَبْسُوط (٣/ ١١٤).
(٥) يُنْظَر: النافع الكبير (١/ ١٣٧)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٧٨).
(٦) هو: مسعود بن الحسن بن الحسين بن مُحَمَّد بن إبراهيم الكشاني، والد مُحَمَّد أبو سعد ركن الدين الخطيب. روى عنه ببخارى ابنه مُحَمَّد الكشاني ومحمود بن أحمد بن الفرح الساغرجي بسمرقند وجماعة سواهما، مات سنة عشرين وخمس مائة له ثلاث وسبعون سنة.
يُنْظَر: الجواهر المضية (٢/ ١٦٨)، معجم المؤلفين (١٢/ ٢٢٦).
(٧) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣١٩).
(٨) يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٢/ ٣٨٣)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٤١٨).
(٩) هو: أسد بن عمرو بن عامر، أبو المنذر، القشيري البجلي، قاض من أهل الكوفة، من أصحاب أبي حَنِيفَةَ، كان أصحاب أبي حَنِيفَةَ الذين دونوا الكتب أربعين رجلا، وكان في العشرة المتقدمين.
يُنْظَر: (التاريخ الكبير: ٢/ ٤٩)، و (الجرح والتعديل: ٢/ ٣٣٧)، و (الأَعْلَام للزركلي: ١/ ٢٩٨).
(١٠) هو: هارون الرشيد ابن مُحَمَّد المهدي ابن المنصور العباسي، أبو جعفر: خامس خلفاء الدولة العباسية في العراق، وأشهرهم. ولد بالري سنة ١٤٩ هـ، وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي، وكان عالما بالأدب وأخبار العرب والحديث والفقه، فصيحا، شجاعا كثير الغزوات، يحج سنة ويغزو سنة، توفي في سناباذ سنة ١٩٣ هـ، وبها قبره. يُنْظَر: الأَعْلَام للزركلي (٨/ ٦٢).
(١١) يُنْظَر: حاشية الطحطاوي (١/ ٤٣٢)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٣١٩).
(١٢) يُنْظَر: مجمع الأنهر: ١/ ٣٤٧ ولم أعثر عليه إلا في كتب الفقه ولم يذكر له تخريج.
(١٣) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٠).
(١٤) يُنْظَر: (٢/ ٤).