للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(كما إذ نوى أنهُ وجَدَ غداءً يُفطِرُ، وإن لم يجدْ يصوم) (١) لم يجْز الصَّوْم بحال؛ لأن العزيمة لم تُوجَدْ، ولهذا قلنا: فِيْمَنْ تركَ صلاةً/ وَاحدةً، وقد نسيها أنهُ إنْ صلَّى أربعَ ركعاتٍ يقعُدُ في الثانيةِ، والثالثةِ، وينوي ما عليهِ لم يجزّهُ؛ لأنَّ الصلواتِ مختلفةٌ، ولم يغرمْ على شيءٍ منها، فلمْ تصحَّ الصَّلَاةُ (٢). كذا ذَكرهُ فَخْرُ الْإِسْلَام -رحمه الله- (٣) لتردُدِهِ بينَ أمرين مكروهين، وهما: صومُ رمضانَ، وصومُ واجبٍ آخرَ إِلاَّ أنَّ كراهةَ أحدِهما أشُّد من الآخرِ لشروعهِ فيه مسقطاً لا ملزماً؛ لأنَّ الكلامَ فيما إذا نوى عن واجبٍ آخرَ على تقدير، وعن فرضِ رمضانَ على تقدير، فكان مسقطاً للواجب عن ذمته، ثُمَّ إنْ ظَهرَ أنهُ مِن رمضان أجزاءَهُ عنه لما مر، وهو قولُه: لِعَدمِ الترددِ في أصل النيةِ، ومن المشايخِ مَنْ قالَ: إذا ظهرَ أنهُ مِنْ رمضانَ لا يكونُ صائماً عنْ رمضانَ، ورُوِيَ ذلك عن مُحَمَّد -رحمه الله- (٤) قالوا: هذا بناء على ما ذُكِر في «الجامع الكبير» (٥) إذا كبّرَ ينوي الظهرَ، والتطوعَ على قول أبي يوسف يصير شارعاً في الظهرِ، وعلى قولِ مُحَمَّد لا يصيرُ شارعاً في الصَّلَاةِ، كذا ذَكَرُه قاضي خان (٦).

وَمَنَ رأى هِلالَ رمضانَ وَحَدْه صامَ، وإنْ لم يَقْبَلْ الإمامُ شهادتَهُ (٧)، أيْ: رأى (هلالَ) (٨) رمضانَ وحدَهُ، والسماءُ مُصحيةً لا يَقْبَلُ الإمامُ شهادَتْهُ، وعن أبي حنيفةَ -رحمه الله- (٩) يقبلُ؛ لأنهُ اجتمع في هذهِ الشهادةِ ما يُوجبُ القبولَ، وهي العدالةُ، والإسلامُ، وما يُوجِبُ الرُّد، وهو مخالفةُ الظاهرِ، فترجَّحَ ما يوجبُ القبولَ احتياطاً؛ لأنه إذا صامَ يوماً منْ شعبانَ كانَ خيراً مِنْ أنْ يفُطِرَ يوماً مِنْ رمضانَ وجهُ ظاهرِ الروايةِ اجتمع ما يُوجبُ القبولَ، وما يُوجِبُ الردَّ فترجَّحَ جانبُ الرِّد؛ لأنَّ الفِطْرِ في رمضانَ مِنْ كُلِّ وجهٍ جائزٌ بعذرٍ كما في المريضِ، والمسافرِ، وصومِ رمضانَ قبلَ رمضانَ لا يجوز بعذرٍ من الأعذارِ، فكان المصيرُ إلى ما يجوزُ بُعذرِ أولى (١٠)، كذا ذَكَره الإمامُ الولوالجي -رحمه الله- (١١). وفي «المَبْسُوط» (١٢): وإنما يردُّ الإمامُ شهادَتَهُ إذا كانتْ السماءُ مُصحيةً، وهو من أهلِ المِصْر، فأمّا إذا كانتَ السماءُ متغيمةً، أو جاء من خارجِ المِصْرِ، أو كانْ من مَوْضِعِ نشز، فإنهُ تُقبلُ شهادتُه عِنْدَنَا (١٣)، فإنْ قيلَ: جَمَعَ مُحَمَّد -رحمه الله- في هذهِ المسألةِ بين الشُّبهةِ، واليقينِ، فقال: لا كفارةَ عليهِ (١٤)؛ لأنهُ أفطرَ عن شُبْهةٍ، ويلزمُهُ الصَّوْم؛ لأنهُ استيقنَ أنَّ هذا اليومَ منْ رمضانَ، والشبهةُ قيدَ اليقينِ، فلا يتحققُ الجمعُ بينهما.


(١) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٠).
(٢) يُنْظَر: تبيين الحقائق (١/ ٣١٨).
(٣) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٠)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣١٨).
(٤) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ: (٢/ ٣٢٠).
(٥) الجامع الكبير في الفروع للإمام المجتهد أبي عبد الله مُحَمَّد بن الحسن الشيباني الحنفي المتوفى: سنة ١٨٧، سبع وثمانين ومائة قال الشيخ: أكمل الدين: هو كاسمه لجلائل مسائل الفقه جامع كبير قد اشتمل على عيون الروايات ومتون الدرايات بحيث كاد أن يكون معجزا ولتمام لطائف الفقه يُنْظَر: كشف الظنون (١/ ٥٦٩).
(٦) يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (١/ ٢٤٢).
(٧) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٩).
(٨) سقطت في (ب).
(٩) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٨٩).
(١٠) المصدر السابق.
(١١) يُنْظَر: الفتاوى الولواجية (١/ ٢٣٧).
(١٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: (٣/ ١١٥).
(١٣) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢١)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٢١).
(١٤) يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (١/ ١٣٨)، الهِدَايَة (١/ ١٢١).