للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولَا بأْسَ بالكُحْل، ودَهْنِ (١) الشارِبِ (٢) جازَ أنْ يكونَ كِلَاهُما بلفظِ المصدرِ مِنْ كَحلَ عيَنهُ كحلًا، ودَهَنَ رأسَهُ دَهنًا إذا طَلاهُ بالدُّهنِ، وهما من بابِ طلَبَ، وجازَ أنْ يكونَ كِلاهُما بلفظِ الاسمِ بضم الكاف، والدال، فلذلك قيَّدَ شَيْخِي (٣) بالفتحِ والضمِ معًا فيهما، ولو رَوَىَ بالضمِّ فِيهما كانَ المعنى، ولا بأسَ باستعمالِ الكُحلِ، والدهنِ كما ذُكِرَ في قولهِ: والسواكُ/ سنْةُ، أيْ: استعمالُهُ فإنْ قلتَ: قد ذَكَرَ حُكْمَ الاكتحالِ مرةً في هذا البابِ بقولِهِ: ولو اكتحلَ لم يفطْر. فما فائِدَةُ ذِكْرِهِ ثانيًا هُنا، وثالثًا بعيدٌ. هذا بقولهِ: (ولا بأسَ بالاكتحالِ للرجُل) (٤).

قلتُ: لِكُلِّ وَضْعٍ فائدةٌ فإنهُ يُستفادُ مِنَ الأَولِ عَدَمُ تَفْطِيرِ الاكتحالِ، ولا يلزمُ منهُ عدمُ الكراهةِ، بلْ يجوزُ أنْ يكونَ الشيءُ مَكروهًا للصائِمِ، وهو غيرُ مُفْطِرٍ، كما إذا ذاقَ شيئًا بلسانِهِ، وبهذهِ المسألةِ يُعْلَمُ أنهُ غيرُ مَكْرُوهٍ، ثُمَّ قْد كلفَ حُكْمُهُ بينَ الرجالِ، والنساءِ كما في العِلْكِ، فيعلمُ بالمسألةِ الثالثةِ أنهما لا يفترقانِ إذا كانَ قصدُ الرجُلِ شيئًا غيرَ الزينةِ مع أنَّ هذا مِنْ خَواصِ مسائلِ «الجامعِ الصغيرِ» (٥)، وذلكَ مِنْ مسائلِ القدوري، والثالثُ مِنْ مسائلِ الفتاوى. إلى هذا أشارَ فَخْرُ الْإِسْلَام في «الجامعِ الصغيرِ»، والمصنفُ وَعَدَ إيرادَ مسائلَ الكتابينِ وما تمسُّ الحاجةُ إلى مسائِلَ سوِى مسائلَ الكتابينِ، وهذا كذلك، ثُمَّ ذَكَر بلفظِ لا بأسَ مع أنَّ الاكتحالَ قد يكونُ مُستحبًّا، كما في يومِ عاشوراءَ احترازًا عن قولِ إبراهيمَ النخعي (٦)، وابْنُ أبي لَيْلَى (٧)، وقد ذكرنا في تلك المسألة؛ لأنهُ يعملُ عَمَلَ الخِضابِ، وبالخِضَابِ جاءَتْ السُّنةُ، ولكنْ] لم يكن (٨) القصدُ (٩) هو الزينةُ، ولكنْ لحاجةٍ أُخرى، كذا ذكره الإمامُ الكشاني (١٠).


(١) الإدهان: من الدُّهْن، ويقال دَهَنْتُه أَدْهُنُه دَهْنا، والدِّهان: ما يُدْهَن به، والإِدْهانُ: في الأصل جَعْلُ نحو الأَديم مدهوناً بشيء ما من الدّهن، ولما كان ذلك ملينا له محسوسا استعمل في اللين المعنوي على التجوز به في مطلق اللين، أو الاستعارة له، ولذا سميت المدارة والملاينة مداهنة ثم اشتهر هذا المجاز وصار حقيقة عرفية، فتجوز فيه على التهاون بالشيء واستحقاره، لأن المتهاون بالأمر لا يتصلب فيه، معجم مقاييس اللغة (٢/ ٣٠٨)، تاج العروس (٣٥/ ٤١).
(٢) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٦).
(٣) هو صاحب الهِدَايَة -رحمه الله-. يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٦).
(٤) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٤٥).
(٥) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٣١)، الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣٠٢).
(٦) يُنْظَر: شرح الْبُخَارِيُ لابن بطال (٤/ ٦٦)، تحفة الأحوذي (٣/ ٤١٩).
(٧) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٩١)، شرح الْبُخَارِيُ لابن بطال (٤/ ٦٦).
(٨) سقطت في (ب).
(٩) في (ب) (يقصد).
(١٠) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣٠٢).