للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «الْأَسْرَارِ» (١): إذا استهلكَ مالَ الزَّكَاةِ والعشُر، ثُمَّ ماتَ لم يُوجْد مِن تركتهِ، وكذلك الدُيونُ التي تجبُ صلاتٍ، أيْ: بغيرِ عَوِضٍ كالنفقةِ/ والخراجِ، والجزيةِ، وصدقةِ الفطْرِ، والكفاراتِ الماليةِ، والحجِّ، وفديةِ الصَّوْم، وما وَجَبَ عليه منَ الصدقةِ بنذْرِهِ، وإنْ أوصى بها لا يصحُّ إِلاَّ بُعذْرٍ كانَ يصحُّ لو لم تكنْ واجبةً، أمّا ما كانتْ منها عبادةٌ، فلما ذكرنا أنُه لا يتأدّى بنائبٍ تثبتُ ولايتُهُ عليهِ بغيرِ أمرِهِ، وأمّا ما كانَ منها عقوبُةُ، فلِأَنَّ العقوبةَ في ضَرْبٍ مَكروهٍ يلحقُ الإنسانَ باستيفائِهَا، وأنهُ لا يتُصورُ بعدَ الموتِ، وأمّا المعنى الذي يعمُّ الفصولُ كُلَّها فهو أنَّ الواجبَ في ذمةِ مَنْ عليهِ الحقُّ فعلٌ لا مالي فيبطلُ بموتهِ، ولا يتعلقُ استيفاؤُهُ بتركَتِهِ قِياسًا على ما إذا ماتَ وعليهِ صلاةٌ، وهذا لِأَنَّ التَرِكَةَ مالٌ يصلُحُ لاستيفاءِ المالِ منها، ولا يصلحُ لاستيفاءِ الفعلِ منها ألا ترى أنهُ إذا ماتَ وعليهِ القَصاصُ لم يُستوفِ مِنْ تركَتِهِ؛ لأنهُ لا يمكنُ، وكذلكَ الحَدُودُ، وإنمّا قُلنا: إنّ الواجبَ فعلٌ، أمّا العبادةُ منها فلما ذكرنا أنها اسمٌ لفعلِ، وأما ما سِواها فلِأَنَّ هذهِ أموالُ جُعِلَتْ صلاتٍ لمستحِقَها، والمُلْكُ في الصِّلاتِ لا يجبُ إِلاَّ بالتسليمِ، وكانَ التسليمُ فيها بمنزلةِ القَبولِ في المعاوضاتِ كالِهَبةِ بخلافِ الدِّيُونِ التي هي أعواضٌ فإنَها أموالٌ مملوكةٌ كما لو كانتْ أعيانًا، فإنها تُملَكُ بنفسِ السببِ فتعلَقَ استيفاؤُها بالترِكةِ، وعلى هذا خَيِارُ الشْرطِ لا يُورَثُ عندَنا (٢)، وعندَ الخَصْم يُورثُ؛ لِأَنَّ المستوفىِ بهِ حقٌّ ماليٌّ، مَنْ تيممَ مَلَكَ المبيعَ أو رَدَّهُ كِخَيارِ العيبِ إِلاَّ أننا نقوَلُ: الواجبُ للمشترِي في العيبِ جزءٌ من المبيعِ احتبسَ عنَد البائِعِ، وهو مالٌ، والمالُ مما يُورثُ، والواجبُ بشرْطِ الخَيِارِ، أيْ: بِقَي لهُ، ثُمَّ يتصلُ بالتصُّرفِ في المالِ، والرأيُ لا يورثُ فلا يورثُ حُكْمُهُ؛ لأنهُ لا يثبتُ الإيتاءُ على الرَّأْي، فالخصمُ لم يُفرِقْ بينَ الواجبِ مالًا بنفسِهِ وبينَ الواجبِ مَالًا بناءً علىِ فِعلٍ لا وجوبٍ لهُ بُدونِهِ، فهذا سِرُّ المسألِةَ مزِلُّ الإقْدَامِ، ثُمَّ هو تبرَّعَ، وإنما قلنا: إنهُ تبرَّعَ؛ لأَنَّ الزَّكَاةَ فِعلٌ، والمالُ إليها، وقد سقطتْ الأفعالُ بالموتِ، فصارتْ الزَّكَاةُ كأنها سقطتْ في حقِّ الدُّنيا؛ لأنها لو لم يوصِ لا تجبُ على الورثةِ أداؤُها، فكانتْ الوصيةُ بأداءِ الزَّكَاةِ تَبرُعًا بخلافِ دَيْنِ العبادِ، فإنهُ لا يسقطُ بالموتِ؛ لأن المقصودَ ثمَة المالِ، والفعلُ غيرُ مقصودٍ حتى لو ظَفَرَ الغريمُِ بِجِنْسِ حقِّه، لهُ أنْ يَأْخُذَه، فإذا كانَ كذلكَ لا يسقُطُ بالموتِ، ولو أوصى بذلكَ يُعتبُر مِنْ جميعِ المالِ، وكذلكَ في بابِ الفِدْيَةِ أنهُ تبَّرعَ بدليلِ أنُّه لو لم يوصِ لا يجبُ على الوارثِ، فصارَ الإطعامُ مِنْ هذا الوجهِ كسائرِ الوَصايا بالقُربِ بخلافِ الوصيةِ بقضاءِ الدَّيْنِ، فإنهُ لو لم يوصِ يجبُ على الوارثِ قضاءُ الدَّيْنِ، فكانَ مِنْ جميعِ المالِ (٣)، كذا في مبسوطِ شيخِ الإسلامِ (٤). وكُلُّ صَلاةٍ تعُتبُر بصومِ يومٍ هو الصحيحُ (٥) هذاَ احترازَ عمَّا قالَ مُحَمَّد بنُ مُقاتل أولًا: بأنهُ يُطْعَمُ عنهُ لِصَلاةِ كُلِّ يومٍ نصفُ صَاعٍ على قياسِ الصَّوْم، ثُمَّ رجعَ، فقالَ: كُلُّ صلاةٍ فرضٌ على حدّةٍ بمنزلةِ صومُ يومٍ، وهو الصحيحُ؛ لأنهُ أحوط (٦)، كذا في «المَبْسُوط» (٧).


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٤/ ١٧٤).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (١٣/ ٧٨).
(٣) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٥٨).
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (٤/ ٣٢٠).
(٥) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (١/ ١٠٨)، الهِدَايَة (١/ ١٦٨).
(٦) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٦٠).
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٦٢).