للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: وفيما يجيءُ بعدَ هذا في الْكِتَابِ إذا قَدِمَ المسِافُر، أو طَهُرَتْ الحائِضُ دِلالةُ عُلى اختيارِ هذا القولِ، وهو الوجوبُ، حيثُ قالَ عِنَدَ مُقابَلةِ قولِنا (١)، وقال الشَّافِعِي -رحمه الله- (٢): لا يجبُ الإمساكُ، ثُمَّ الأصلُ في هذا أنَّ كُلَّ مَنْ صَاْرَ في آخرِ النَّهارِ بِصفةٍ لو كانَ في أولِ النهارِ عليها، لَزِمَهُ الصَّوْم فعليهِ الإمساكُ كالحائضِ، والنُفَسَاءِ تَطْهُرُ بعدَ طُلوعِ الفجرِ أو معهُ، والمجنونُ يفيق، والمريضُ يبرأُ، والمسافرُ/ يَقْدُمُ بعدَ الزوالِ أو الأَكْلِ، والذي أَفْطَرَ عَمْدًا، أو خطأً، أو مُكرهًا، أو أَكَلَ يوَم الشَّكِّ، ثُمَّ استبانَ أنهُ مِنْ رمضانَ، أو أفطرَ، وهو يرى أنَّ الشمسَ قد غَرُبَتْ، أو تسحَّرَ بعدَ الفجرِ ولم يعلَمْ، ومن لم يكنْ على تلكِ الصفةِ لا يجبُ الإمساكُ كما في حالةِ الحيضِ، والنِفاسِ، ثُمَّ قِيلَ: الحائِضُ تأْكُلُ سِرًّا لا جَهرًا، وقِيل: تأْكُلُ سِرًّا وجَهرًا (٣)، وللمريضِ، والمسافرِ الأَكْلُ جَهرًا (٤)، كَذا ذكرهُ الإمامُ التُّمُرْتَاشِي -رحمه الله- (٥).

وفي «الجامعِ الصغيرِ» لفَخْرِ الْإِسْلَام -رحمه الله-: وأمّا الإمساكُ في بقيةِ النهارِ فمذهُبنا (٦) وقالَ الشَّافِعِي في هذا كُلِّهِ: لا يجبُ الإمساكُ، احتجَّ الشَّافِعِي -رحمه الله- (٧) بأنَّ هذا شخصٌ لم يلزَمْهُ الصَّوْم لا ظاهِرًا ولا باطنًا، فلا يلزمُهُ الإمساكُ كما في حالةِ الحيضِ ولأصحابِنَا أنَّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- أمرَ بالإمساكِ في يومِ عاشوراَء (٨)، فثبتَ بهِ أنَّ مَنَ عَجَزَ عن حقيقةِ الصَّوْم، وقد صارَ بحالٍ لو كانَ كذلكَ في أولِ النهارِ لَزِمَهُ الصَّوْم أنهُ يلزُمُهُ الإمساكُ قضاءً لِحَقِّ الوقتِ، ولو أفطرا فيهِ لا قضاءً عليهِمَا؛ لأنَّ الصَّوْم غيرُ واجبٍ فيهِ، فإنْ قلتَ: يَشْكُلُ على هذا المجنونِ إذا أفاقَ في يومِ رمضانَ قبلَ الزوالِ، ونوى الصَّوْم يقعُ عنِ الفرضِ (٩)، ولو أفطرَ يجبُ عليهِ القضاءُ مع أنَّ الصَّوْم لم يكنْ واجبًا عليهِ وَقْتَ طُلوعِ الفجرِ (١٠)، كذا ذكره الإمامُ التُّمُرْتَاشِي.


(١) يُنْظَر: اللباب (١/ ٨٧)، الهِدَايَة (١/ ١٢٩).
(٢) يُنْظَر: الْمَجْمُوع (٦/ ٢٦٣)، حلية العلماء (٣/ ١٤٥).
(٣) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣١١)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ٢١٥).
(٤) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٣٧١).
(٥) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٣٢٦)، العناية (٢/ ٣٧١).
(٦) يُنْظَر: اللباب (١/ ٨٧)، الهِدَايَة (١/ ١٢٩).
(٧) يُنْظَر: الْمَجْمُوع (٦/ ٢٦٣)، حلية العلماء (٣/ ١٤٥).
(٨) أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه، باب إذا نوى في النهار صوماً من حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- بلفظ (أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أمر رجلاً من أسلم أن أذن في الناس أن من اكل فليصم فإن اليوم عاشوراء).
(٩) يُنْظَر: النافع الكبير (١/ ١٣٨)، الهِدَايَة (١/ ١٢٨).
(١٠) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٦٤).