للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: لا يسلمُ أنَّ الوجُوبَ لم يكنْ ثابتًا عليهِ في ذلكَ الوقتِ، بلْ الوجُوبَ في حقِّهِ كانَ ثابتًا إِلاَّ أنهُ لم يظهْر أثرُهُ عندَ الاستغراقِ، فإذا لم يستغرقْ ظَهَرَ أثُر الوجُوبِ وقالَ الإمامُ التُّمُرْتَاشِي -رحمه الله- (١): إنَّ الجنونَ إذا لم يستوعبْ لا يمنعُ الوجوبَ كالمرضِ فبعدَ ذلك النيةُ في أكثرِ اليومِ] كالنية في كله بخلاف الصبا ولم يقضيا يومهما ومن العلماء من يقول عليه هذا اليوم (٢) (٣)، والأيامِ الماضيةِ مِنَ الشهرِ، وجعلوا إدراكَ جُزءٍ منَ الشهرِ كإدراكِ جميعِ الشهرِ في كونهِ سببًا لِوُجوبِ صومِ جميعِ الشهر (٤)، كما أنَّ إدراكَ جُزْءٍ منَ وقتِ الصَّلَاةِ بعدَ الإسلامِ كإدراكِ جميعِ الوقتِ والتفريطُ إنَّما جاءَ مِنْ قبلهِ بتأخيرِ الإسلامِ، فلا يُعَذرُ في إسقاطِ القضاءِ، وهو قريبٌ من أصلِ الشَّافِعِي أنَّ الكَفارَ مخُاطبونَ بالشرائِعِ (٥)، ولنا ما رُوِيَ أنَّ وَفْدَ ثقيفٍ حين قَدِموا على رسولِ اللهِ -عليه الصلاة والسلام- أسلموا في النِّصفِ من رمضانَ، فأمرهُم بصومِ ما بقيَ مِنَ الشهرِ، ولم يأمرْهُم بقضاءِ ما مَضَى (٦). وتأخيرُ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ لا يجوزُ (٧)، ولِأَنَّ وجُوبَ القضاءِ يبتني على خِطابِ الشرْعِ بالأداءِ، وذلكَ لا يكونُ بدونِ الأهليةِ للعبادةِ والكافرُ ليسَ بِأَهْلِ للعِبَادةِ (٨)؛ لأنهُ ليسَ بأهلٍ لِثَوبهُتا فلا يثبتُ خطابُ الأداءِ في حقِّهِ، والصَّوْم عبادةٌ معلومةٌ بِمعيَارِهِ، وهو الزمانُ، ولا تَصَورٌ للصومِ منهُ في الزمانِ الماضي بخلافِ الصَّلَاةِ، فإنها معلومةٌ بأركانِها، والوقتُ طَرَفٌ لها، فجعلَ إدراكَ جُزْءٍ منَ الوقتِ سببًا لِوُجوبِ الأداءِ، ثُمَّ القضاءُ يبنى عليهِ، ومن قالَ: مِنْ أنَّ التأخيرَ كانَ منهُ باطلٌ، فإنهُ ليسَ عليهِ قضاءُ صومِ رمضانَ مِنَ السنينَ الماضيةِ في حالةِ الكفرِ (٩)، كذا في «المَبْسُوط» (١٠)؛ لأنهُ أدركَ وقتَ النِّيةِ، فصارَ كَمَنْ أصبحَ ناوِيًا للفِطْرِ، ثُمَّ نَوَى قبلَ الزّوالِ أنَّ الصَّوْم أَجزأَهُ، ولا شكَّ أنَّ نيةَ الفِطْرِ مُنافِيةٌ للصومِ لكنها منافيةٌ حُكْمًا لا حقيقةً، فلا يمنعُ نيةَ الصَّوْم قبلَ الزوالِ، وكذلِكَ الكُفَر مُنافٍ للصومِ حُكمًا لا حقيقةً وجهُ ظاهِر الرواية أنَّ الخطابَ بالصَّوْم ما كانْ مُتوجهًا عليهِ في أولِ النهارِ، وصومُ اليومِ الواحدِ لا يَحِتَملُ التَحري وجُوبًا، وإمساكهٌ في أولِ النهارِ ما تَوَقَّفَ على صومِ الفرضِ؛ لأنهُ لم يكنْ إهلالُهُ (١١).


(١) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٤٠)، مجمع الأنهر (١/ ٣٤٣).
(٢) زيادة في ب.
(٣) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣١٢).
(٤) يُنْظَر الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٧٣).
(٥) يُنْظَر: الْمَجْمُوع (٦/ ٢٥٢).
(٦) رَوَاهُ ابن ماجه في سننه، كتاب الصيام، باب فيمن أسلم في شهر رمضان (١٧٦٠)، قال الألباني: ضعيف.
(٧) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٩٧).
(٨) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٨)، العناية (٢/ ٣٧٠).
(٩) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٧)، الاختيار لتعليل المختار (١/ ١٤٤).
(١٠) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٤٤، ١٤٥).
(١١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٦٧).