للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولُه: (على ما قالوا) (١) إشارةً إلى الاختلافِ (٢)، وفي «المَبْسُوط» (٣): ولو بلغَ في غيرِ رمضانَ في يومٍ فَنَوى الصَّوْم تطوَّعًا أجزأَهُ بالاتفاقِ (٤)، وفي الكافرِ يسلمُ اشتباهُ، فقد ذَكَر في «الجامع الصغير» (٥) في الصبيِّ يبلغُ، والكافِرُ يسلمُ قالَ: هما سواءٌ، وهذا يدلَّ على أنَّ نيةَ كُلِّ واحدٍ منهما للتطوعِ صحيحةٌ، وأكثرُ مشايخنا على الفَرْقِ بينَ الفصلينِ (٦)، فقالوا: لا تصحُّ مِنَ الكافرِ نيةُ صومِ التُّطوعِ بعدَما أسلمَ قبلَ الزَّوالِ؛ لأنهُ ما كانَ أهلًا للعبادةِ في أولِ النهارِ، فلا يتوقفُ إمساكُهُ على أنْ يصيرَ عبِادةٌ بالنيةِ، فأمّا الصبيُّ فكانَ أهلًا للعبادةِ تُطَوُّعًا فتوقفَ إمساكُهُ على أنْ يصيرَ صَومًا بالنيةِ قِبلَ الزوالِ.

وإذا نوى المسافُر الإفطارَ (٧)، أيْ: في غير رمضانَ بدليلِ قولهِ: فيما بعدَهُ، وإنْ كانَ في رمضانَ ترجيحًا لجانبِ الإقامةِ، فهذا أولىَ فوجهُ/ الأولويةِ هو أنَّ المرخصَ، وهو السفرُ قائِمٌ وقتَ الإفطارِ في تلكَ المسألةِ، ومع ذلك لم يُبِحْ لهُ الإفطارَ، فلِأَنْ لا يباحُ الفِطْرُ في هذهِ المسألةِ، والمرخصُ ليسَ بقائِمِ وقتَ الفِطرِ بالطريقِ الأوُلى إِلاَّ أنهُ إذا أفطَر في المسألتين، وهما مسافِرٌ أقامَ، ومُقِيمٌ سافَر لا تَجب الكفارةُ لا؛ ِلأَنَّ الفِطْرِ صارَ مُباحًا لهُ؛ لِأَنَّ الفِطْرِ ليسَ بَمُباح فيهما جميعًا لكنْ؛ لِأَنَّ السفَر في الأصلِ مبُيِحٌ للفطرِ فإذا اقترنَ بالسببِ الموُجبِ للكفارةِ يكونُ مُورثاً شُبهةً مُسقطةٍ للكفارةِ، وإنْ لم يَصِر الفِطْرِ مُباحًا لهُ بمنزلةِ النِّكاحِ الفاسدِ يكونُ مسُقطًا للحدِّ، وإنْ لم يكنْ مُبيحًا للوطئِ كذا في نوادرِ صَوْمِ «المَبْسُوط» (٨)؛ لأنها عباداتٌ متفرقةٌ؛ لأَنَّ صَوْمَ كُلَّ يومِ عبادةٌ على حَدِةٍ، ألا ترى أنَّ فسادَ البعضِ لا يمنعُ صِحَةَ ما بَقِيَ، وأنّ انعدامَ الأهليةِ في بعضِ الأيامِ لا يُمنعُ لتقررِ الأهليةِ فيما بَقِيَ، فكانتْ بمنزلِة صلواتِ مختلفةٍ، فَيَسْتَدْعِيْ كُلُّ واحدٍ منهما نيةً على حِدَةٍ.


(١) هو صاحب الهِدَايَة (١/ ١٢٧).
(٢) يشير المؤلف إلى الخلاف بين العلماء المذكور في ص ٨٧.
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٦٧).
(٤) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٢٨)، العناية (٢/ ٣٧٠).
(٥) الجامع الصغير (١/ ١٣٨).
(٦) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٠٢).
(٧) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٤١).
(٨) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ٢٥٠).