للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصَّوْم مِنْ شرطِهِ عندَنا (١) خلاِفًا للشافعي (٢)، ومذهبنا مَرْوِيٌّ عن ابنِ عباسٍ (٣) (٤)، وعائشةَ أنَهما قالا: «لا اعتكافَ إِلاَّ بالصَّوْم» (٥)، ومذهبُهُ مَرْوِيٌّ عن ابنِ مسعودٍ -رضي الله عنه-، وعن علي -رضي الله عنه- روايتان (٦): فالشَّافِعِي استدَلَّ بهذا، وبحديثِ عُمَر في سؤالهِ: «إني نذرْتُ أنْ أعتكفَ ليلةً في الجاهليةِ فأَمَرهُ -عليه الصلاة والسلام- بالوفاءِ» (٧)، والليلُ لا يُصامُ فيهِ، ولِأَنَّ ابتدأَ الِاعْتِكَاف مِنْ وقتِ غرُوبِ الشمسِ في حقِّ مَنْ نَذَرَ أنْ يعتكفَ شَهرًا، وما يكونُ شرْطُ العبادةِ شرطِ إقترانهِ بأولهِ كالطَّهارةِ، ولِأَنَّ الصَّوْم أحدُ أركانِ الدِّينِ فلا يكونُ شرطًا لما هو دونَهُ، إذ في الشرطِ معنى التبِعَيِة، ولنا أنّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- ما اعتكفَ إِلاَّ صائمًا (٨) والأفعالُ المتفقةُ في الأوقاتِ المختلفةِ، لا تجري على نَمِط واحدٍ، إِلاَّ لِدَاعٍ يدعو إليهِ، وليسَ ذلك إِلاَّ لبيانِ أنهُ من شرائطِ الاعتكافِ، وعن كلامهِ جوابان: أحدُهما أنَّ الصَّوْم شرْطُ الاعتكافِ، والشرائِطُ إنما تثبتُ بحسَبِ الإمكانِ، ولا يُمكنُ اشتراطُ الصَّوْم ليلًا فسقطَ للتعُّذرِ، وجعلَ الليالي تِبعًا للأيام ِكما أنَّ الشُّربَ، والطريقَ يجُعلُ تْبِعًا في بيعِ الأرضِ.


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ٢٠٩)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٧١).
(٢) يُنْظَر: مختصر المزني (١/ ٦٠)، الْحَاوِي (٣/ ٤٨٦).
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ٢٠٩)، الْحَاوِي (٣/ ٤٨٦).
(٤) المصدران السابقان.
(٥) أخرجه أبو داود في سننه، باب المعتكف يعود المريض (٢/ ٣١٠)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وأوله: "السنة على المعتكف … " الحديث، قال أبو داود: غير عبدالرحمن بن إسحاق لا يقول فيه: قالت السنة، وجعله من قول عائشة ا. هـ.، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (٧/ ٢٣٥): إسناده حسن صحيح ا. هـ.، وقال الدَّارقُطنيّ في سننه بعد أن خرجه (٢/ ٢٠١): يقال: إن قوله: " وأن السنة للمعتكف … " إلى آخره، ليس من قول النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنه من كلام الزهري، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم، والله أعلم، وهشام بن سليمان لم يذكره ا. هـ.
(٦) يُنْظَر: الْحَاوِي (٣/ ٤٨٦)، الْمُغْنِي (٣/ ١٢٥)، وفي المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ٢٠٩) أن لعليّ -رضي الله عنه- روايتان.
(٧) سبق تخريجه، ص (٣٩٧).
(٨) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ٢١٠).