للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أنَّ شرطَ الِاعْتِكَافِ أنْ يكونَ مُؤَدَّى في وقتِ الصَّوْم، وبوجودِ الصَّوْم في النَّهارِ بنصفِ جميعِ الشهرِ بأنهُ وقتُ الصَّوْم، دليلُهُ شهرُ رمضانَ، فصارَ الشرطُ بهِ مَوجودًا، وحديثُ عُمر دليلُنا، فإنَّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- قالَ له: «اعتكفْ، وصُمْ» (١) هكذا ذكرهُ أبو عيسى -رحمه الله- في المسندِ، وبلفظ رسولِ اللهِ -عليه الصلاة والسلام- تبيَّنَ أنَّ الصحيحَ من الروايةِ: "إني نذرتُ أنْ أعتكفَ يومًا" (٢)، كذا في المَبْسُوط (٣) وغيره (٤).

وأما جوابُ كونِ الرَّكن تِبعًا لغيرِه فقدُ ذكرناهُ في بابِ قضاءِ الفوائِتِ منْ كتابِ الصَّلَاةِ (٥). فإنْ قِيلَ: إنَّ شرطَ الشيءِ إمّا أنْ يكونَ شرطَ انعقادِهِ، وهو ابتداءُ فعلهِ أو شرطَ دوامهِ، وبالإجماعِ هذا ليسَ بشرطِ انعقادِهِ، فإنَّ مَنْ نَذَرَ أنْ يعتكفَ أيامًا يلزمُهُ الابتداءُ منَ الليلِ، والصَّوْم لا يتُصورُ في الليلِ، وكذلكَ يدومُ في الليالي، ويبقى، ولا صومَ في الليالي عَلِمْنَا أنَّ هذا ليسُ بِشَرْطٍ أصلاً (٦).

قلنا: الصَّوْم شرطٌ دائِمٌ منْ أولهِ إلى آخرِه لكنْ سقطَ اعتبارُهُ بالليالي لِعَدَمِ الإمكانِ كالمرأةِ عليها صومُ شهرِ] رمضانَ (٧) متتابعٌ يلزمُها بصفةِ التتابُعِ، فلو أفطرتْ بعُذْرِ الحيضِ لم ينقطعْ التتابعُ، ولو أفطرتْ بعذرٍ آخَر استقبلتْ، وكالمُستحاضةُ تصلي، والدَّمُ يسيلُ منها، والشرطُ أنْ لا تصلي مع الحدثِ، ولكنْ سقَط اعتبارُ هذا الحديثِ في حقِّها التعذرُ، فكذلكَ أمرُ الصَّوْم في الليالي هاهنا، ألا ترى أنَّ الرُكنَ يسقطُ اعتبارُه للضرورةِ، فالشرطُ أولى لما أنَّ اللبثَ في المسجدِ رُكنُ الِاعْتِكَافِ حتى لا يبقى بالخروجِ منهُ، وأمّا إذا خرجَ للبولِ، والغائطِ، والتوضئِ كانَ الِاعْتِكَافُ قائمًِا للضرورةِ إلى هذا أشارَ في «الْأَسْرَارِ» (٨) فإن قلْتُ: يلزُم في اشتراطِ الصَّوْم هاهنا فسادٌ من وجهٍ آخَر، وهو أنّ اللهَ شرعَ الِاعْتِكَافَ مُطلقًا بقولهِ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (٩) على ما ذكرنا من «المَبْسُوط» (١٠) بغير شرِط الصَّوْم، والقولُ باشتراطِ الصَّوْم قولٌ بالزيادةِ على النصِّ، وذلك لا يجوزُ بالخبرِ الواحدِ لما أنهُ يجري مجَرى النَّسْخِ.


(١) سبق تخريجه، ص (٣٩٧).
(٢) سبق تخريجه، ص (٣٩٧).
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ٢٠٩ - ٢١١).
(٤) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٤٩).
(٥) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (١/ ٤٨٥).
(٦) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٤٩).
(٧) زيادة في (ب).
(٨) يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار (١/ ٢١٦).
(٩) سورة البقرة الأية (١٨٧).
(١٠) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ٢٠٨).