للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: قالَ شَيْخِي -رحمه الله- في جوابهِ: بأنَّ الإمساكَ عن الجِماعِ (١) ثبتَ شَرطُ الصِّحَةِ الِاعْتِكَافُ بهذا النصِّ القَطْعِيِّ، والإمساكَ عن الجِمَاعِ أحدُ رُكني الصَّوْم فبعدَ ذلك يلحقُ الإمساكُ/ عن الأَكْلِ، والشَّربِ بهِ بطريقِ الدلِالَةِ لاستواءِ هذه الثلاثةِ في الإباحةِ، والحظرُ منْ كُلِّ وجهِ (٢) لما عُرِفَ في قولهِ تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} إلى قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (٣) كما ألحُقَ الأكلُ، والشُّربُ بالجِمَاعِ في كفارةِ رمضانَ، وألُحِقَ الجماعُ بالأكلِ، والشُّربِ ناسيًا في حقِّ بقاءِ الصَّوْم بدلالةِ النصِّ لهذا المعنى، ثُمَّ لما ثبتَ وجُوبُ الإمساكِ على المعتكفِ عن الجِمَاعِ، والأكلِ، والشَّربِ لله تعالى بهذا الطريقِ كانَ صومًا؛ إذ الصَّوْم عبارةٌ عن هذا، فكانَ الصَّوْم شرطًا على المعتكفِ بدلالةِ النصِّ، والحديثُ وَرَدَ مُؤيدًا لهذه الدِلالةِ لا زيادةً على النصِّ، ثُمَّ الصَّوْم شرطٌ لِصِحَّةِ الواجبِ منهُ، روايةٌ واحدةُ إلى منَ غيرِ ترددَ في الروايةِ.

فكان معناهُ الصَّوْم شرطٌ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ في جميعِ الرواياتِ، ثُمَّ لما اشترطَ الصَّوْم في حقِّ الِاعْتِكَافِ الواجبِ يجبُ أنْ يكونَ الصَّوْم مُستغِرقًا عليهِ من أَولِهِ حتى أنْ رجلًا لو صامَ يومًا تطوُعًا، ثُمَّ قالَ: في بعضِ النهارِ على اعتكافِ هذا اليومِ، لا اعتكافَ عليهِ سواءً قالَ ذلكَ قِبلَ: نصفُ النهارِ أو بعدَهُ (٤)؛ لأنّ الِاعْتِكَافَ لا يَصِحُّ إِلاَّ بالصَّوْم، وإذا وَجَبَ الِاعْتِكَافُ وَجَبَ الصَّوْم، والصَّوْم في أولِ النَّهارِ انعقدَ تطوُعًا فتعذرَ جعلُهُ واجبًا (٥)، كذا ذكرهُ الإمامُ الولوالجي -رحمه الله- (٦).

وفي روايةِ الأصلِ (وهو قولُ مُحَمَّد أقلَّهُ ساعةً (٧)، فيكونُ من غيرِ صوم) (٨). جعلَ هذه الروايةُ في شُروحِ «المَبْسُوط» (٩)، وشرحِ الطَّحَاوِيّ (١٠)، وفَتَاوَى قَاضِي خَانْ (١١)، و «الذخيرة» (١٢) ظاهر رواية علمائنا الثلاثة (١٣)، فقالَ في مبسوطِ فَخْرُ الْإِسْلَام، و «الذخيرة»: وفي ظاهر الروايةِ ليسَ بشرطٍ، وهو قولهما (١٤)، وذكر في «المَبْسُوط» (١٥): وفي ظاهرِ الرواية (١٦) يجوزُ النفلُ مِنَ الِاعْتِكَافِ من غيرِ صومٍ، فإنهُ قال: في الْكِتَابِ إذا دخلَ المسجدَ بنيةِ الِاعْتِكَافِ فهو مُعتكِفٌ ما أقامَ تاركَهُ إذا خرجَ، وهذا لِأَنَّ مبنيَّ الفعلِ على المساهَلَةِ حتى تجوزَ صلاةُ النفلِ قاعِدًا مع القدرةِ على القيامِ، وراكبًا مع القُدرةِ على النزولِ، والواجبُ لا يجوزُ.


(١) الجمع مصدر جامع، وجماع الشيء: جمعه، والجماع: هو الوطء، وهو إيلاج الذكر في الفرج. يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (١/ ٢٠٠).
(٢) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٠٩).
(٣) سورة البقرة الآية (١٨٧).
(٤) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٧٨).
(٥) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٩١)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (٤/ ٢٠٥).
(٦) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٧٧).
(٧) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٣٩٢)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٠٩).
(٨) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٣٢).
(٩) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ٢١١).
(١٠) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣٢٣).
(١١) فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (١/ ١٩٥).
(١٢) يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ٢١١)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٤٩).
(١٣) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٩٣)، الجوهرة النيرة (١/ ١٤٦)، مجمع الأنهر (١/ ٣٨١).
(١٤) أي: قول أبي يوسف ومحمد. يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٧٤).
(١٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ٢١١).
(١٦) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٧١)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٠٩).