للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكرَ في «الذخيرةِ»: يُشَترطُ وجودُ ذاتِ الصَّوْم لا الصَّوْم بجهةِ الِاعْتِكَافِ حتى أنّ مَنْ نذرَ باعتكافِ رمضانَ صحَّ نذرُهُ، وإنْ لم يقبلْ صومُ رمضانَ أنْ يكونَ لجَِهةِ الاعتكافِ، وذَكَرَ فيها أيضًا أنَّ الرجُلَ إذا أرادَ الإيجابَ على نفسهِ ينبغي أنْ يَذْكُرَ بلسانهِ، ولا يكفي لإيجابهِ النيةُ بالقلبِ، ذكرَه شمسُ الأئمةِ الحلواني -رحمه الله- (١)؛ لِأَنَّ بمجرَدِ النِّيةِ لا يجبُ على الإنسانِ شيءٌ مِنَ الصَّلَاةِ، والصَّوْم فكذا الاعتكاف (٢).

وذكر في «التحفةِ»، و «الإيضاحِ» مُطلقًا (٣): ويبتِنى على هذا الأصلُ، أنّ الإيجابَ لا يجوزُ بالليلِ وحدَهُ عِنْدَنَا خِلافًا للشَّافِعي؛ لِأَنَّ الصَّوْم شَرْطُ الاعتكافِ، ولا وُجوَد للشيءِ بدُونِ شْرطٍ، ويجوزُ في الليلِ الذي هو تبعٌ للنهارِ بصومُهُ، ولو شَرَعَ فيهِ، أي: في الِاعْتِكَافِ النفلِ، ثُمَّ قطعهُ لا يلزمُهُ القضاءُ في روايةِ الأصلِ (٤)، وفي روايةِ الحسنِ يلزمُهُ (٥)، ثُمَّ فائدةُ تقييدِهِ بالشُّروعِ دُونَ الإيجابِ، وليبينَ هذا الاختلافَ لما أنَّ القضاءَ واجِبٌ في الِاعْتِكَافِ الواجبُ في الرواياتِ كُلهِّا، ومكانُ اختلافِ الرِوايةِ هنا مَبْنِيَّاً على اختلافٍ آخرَ، وهو أنَّ الصَّوْم: هلْ هوَ شَرْطٌ للتطُوعِ من الِاعْتِكَافِ أم لا؟ فعلى رِوَايةِ الأصل، وهي ظاهِرُ الروايةِ ليسَ بشْرطٍ (٦)، وعلى روايةِ الحسنِ شْرطٌ على ما ذكرنا (٧)، فكانَ لزومَ القضاءِ في روايةِ الحسنِ في] التطوعِ من الِاعْتِكَافِ لِضَرورِةِ لِزُومِ القضاء في شْرِطهِ لا أنْ يكونَ اعتكافُ التطوَّعِ (٨) لَاْزِمُ الإتمامِ في نفسهِ (٩)، وإلى هذا أشارَ الإمامُ الْإِسْبِيجَابِي -رحمه الله- في مبسوطهِ، وذكَر في «شرحِ الكافي»: وإنْ اعتكفَ الرجُلُ مِنْ غيرِ أنْ يوصِيَ على نفسهِ فهو مُعتكِفٌ، فإنْ قطعَهُ فليسَ عليهِ شيءٌ فَرْقٌ بينَ هذا، وبينَ ما إذا صامَ مِنْ غير أنْ يوجَبهُ على نفسهِ، ثُمَّ قطعَهُ، فإنَّ عليهِ القضاءُ، ووجهُ الفْرقِ بينهما أنَّ كُلَّ جُزءٍ منَ اللبثِ في المسجدِ غيرُ مفتقِرٌ إلى جُزْءٍ آخرَ في كونهِ عبادةً؛ لِأَنَّ اللبثَ في المسجدِ، وإنْ قلَّ يقعُ على خلافِ العادةِ، فصلحَ عِبَادةً بنفسهِ. أمّا كُلُّ جُزءٍ مِنَ الإمساكِ مفتقِرٌ إلى جُزءٍ آخرَ في كونهِ عِبادةٌ؛ لِأَنَّ أحوالَ الإنسانِ على ما عليهِ العادةُ لا يخلو عن قليلِ إمساكٍ، فجزْءٌ منهُ لا يقعُ عبادةً تامةً. ثُمَّ الِاعْتِكَافُ لا يَصِحُّ إِلاَّ في مسجدِ الجماعةِ (١٠) هذا لبيانِ حُكْمِ شرطِ الجوازِ، فقالَ في «المَبْسُوط» (١١): ثُمَّ جوازُهُ يختصُّ لمساجدِ الجماعاتِ.


(١) يُنْظَر: مجمع الأنهر (١/ ٣٧٧)، حاشية ابن عابدين (٢/ ٤٤١).
(٢) يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ٢١١).
(٣) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٧٢).
(٤) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٧٩)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ٢١١).
(٥) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٧١)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٠٩).
(٦) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٤٨ - ٣٤٩).
(٧) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٧١)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١٠٩).
(٨) زيادة في (ب).
(٩) يُنْظَر: اللباب في شرح الْكِتَاب (١/ ١٧٥).
(١٠) يشير المصنف إلى الإجماع بعدم جواز الِاعْتِكَافِ إلاّ في المسجد.
يُنْظَر: الأصل (٢/ ٢٧١)، المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ٢٠٧)، الْحَاوِي (٣/ ٤٨٥)، التمهيد (٨/ ٣٢٦)، الْمُغْنِي (٣/ ١٢٧).
(١١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ٢٠٧، ٢٠٨).