للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: إنما تركوا بدليلٍ لَاَحَ لهم في الموضعين، والعملُ بالدليلِ في كُلِّ موضعٍ على ما يليقُ بذلك الموضع لا يكونُ تناقضًا، وقد ذكرنا مثل هذا في بابِ الإمامةِ في مسألةِ إمامةِ المتيممِ للمتوضئين أما الوجُه لهما فظاهِرٌ، وهو العملُ بالاحتياطِ في الموضعين جميعًا.

أمّا في الجٌمعةِ فالجَماعةُ شَرْطٌ على حِدَةٍ بالاتفاقِ، وفي إقامةِ التثنية مقامَ الجَمعِ نَوْعُ تُرددٍ لتجاذبُ طُرُقِ الفردِ، والجمعُ؛ إذ هي بينهما، وفي الاكتفاءِ بالفرضِ الأصلي، وهو الظُهرُ خُروجٌ عن فرضِ الوقتِ يتعينُ فيما إذا استجمعْتَ شرائطَ الجُمعةِ خصُوصًا فيما إذا وقَعَ الترددُ في وجُودِ شرطِها، فكانَ في توقيفِ أمرِ الجمُعةِ إلى وجُودِ الجِمَاعةِ يتعينُ عملُ بالاحتياطِ؛ لِأَنَّ مَنْ وقَفَ أمُر الجمُعةِ إلى الجُماعِة تعَّينَ يصُلَّي فرضَ الظَّهرِ عندَ وقُوعِ التَرُددِ في وُجودِ الجماعةِ، وفيه خروجٌ عن عُهدةِ فرضِ الوقتِ بتعينٍ، فكانَ عملًا بالاحتياطِ، وأمّا وجَه الاحتياطِ هنا فظاهِرٌ؛ لِأَنَّ فيهِ إيجابُ اليومين مع الليلتين، فكانَ هو أحوطَ من إيجابِ يومين بليلةِ، وإلى هذا أشارَ في الْكِتَابِ بقولهِ: احتياطًا لأَمرِ العبادةِ (١).

وأمّا أبو يِوسفَ -رحمه الله- فيقول: كانَ من حقِّ حُكْمِ التثنيةِ أنْ يغُايِرَ حُكْمَ الجَمْعِ في كُلِّ موضعٍ؛ لأنَّ فيهِ عَملًا بالأَوَضاعِ، وهي وحدان، وتثنية، وجمعٌ إِلاَّ أني قدْ وَجَبَ في الجُمعةِ أنْ يكونَ حُكْمُ التثنيةِ كَحُكُمِ الجَمْعِ، وهو مخصوصٌ بذلكَ الموضعِ لا في غيرهِ لما أنّ في التثنيةِ معنى الاجتماعِ، وفي الجَماعِة، والجُمعةِ معنى الاجتماعِ أيضًا، فكانتْ التثنيةُ في تحقيقِ معنى الاجتماعِ كالجمعِ، فكانتْ جمَاعةً لما أنَّ الجُمعةَ إنمّا سُميتْ جمعةٌ لِوُجودِ الاجتماعِ، وقد وُجِدَ هو في التثنيةِ، وأمّا في غيرِها لم يُوجْد شيءٌ يدلَّ على الاجتماعِ، فكانَ العملَ بحُقيقةِ الأوضاعِ أولى، واللهُ أعلمُ بالصواب (٢).


(١) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٤٠٢).
(٢) يُنْظَر: المرجع السابق (٢/ ٤٠٢).