للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومَنْ أَوْجَبَ اعتكافَ يومين يلزمُه بليليتهما حتى إذا اعتكفَ يجبُ عليهِ أنْ يدخُلَ المسجدَ قبلَ غُروبِ الشمسِ، فأقامَ فيهِ ليلةً، ويومَها، والليلةَ الأُخرى، ويومَها إلى أنْ تغربَ الشمسُ، وكذلك هذا في الأيامِ الكثيرةِ، وإذا ذَكَرَ ثلاثةَ أيامٍ أو أكثَر، فالجوابُ في قولهم جميعًا على ما ذُكِرَ قَبلَ هذا (١).

قولُه (٢): (وقالَ أبْو يوسفَ -رحمه الله-: لا تدخلُ الليلةُ الأَولى) (٣)، قلتُ: كانَ مِن حقِّهِ أنْ يُقالَ: وعن أبي يوسفَ كما هو المذكوُر بلفظٍ عن نسخ شروح «المَبْسُوط»، و «الجامع الكبير» (٤) لما أنَ هذه الروايةَ غيرُ ظاهرٍة عنهُ، والدليلُ على هذا ما ذَكَرَ في الْكِتَابِ حجتهما بقولهِ: وجهُ الظاهِرِ، وهو الأوفَقُ لمذهبِهِ أيضًا؛ لِأَنَّ المثنى غيرُ الجَمْعِ (٥)، فلما كانَ غيرُ الجمعِ كانَ لفظُ المثنى، ولفظُ الفردِ سواءً، ثُمَّ في لفظِ الفردِ بأنْ قالَ: للهَ عليَّ أنْ أعتكفَ يومًا لا يدخلُ ليلتهَ بالاتفاقِ (٦)،] فكذا في التثنية (٧)، إِلاَّ أنَّ الليلةَ المتوسطةَ تدخلُ لِضَروُرةِ اتصالِ بعضِ الأجزاءِ بالبعضِ، وهذهِ الضرورةُ لا تُوجدُ في الليلةِ الأُولى (٨)، ووجهُ ظاهِر الرِوايةِ (٩) أنّ المثنى معنى الجَمْعِ، قالَ -عليه الصلاة والسلام-: «الاثنانِ فما فوقَهما جُماعْةُ» (١٠) فكانَ هذا، والمذكور بلفظِ الجمعِ سواء، ألا ترى أنهُ لو قالَ: ليلتين صحُّ نذرُهُ بخلافِ ما لو قالَ: ليلةً واحدةً. كذا في «المَبْسُوط» (١١)، قلت: قولُه في «المَبْسُوط» (١٢): لو قال: ليلتين صحَّ نذرُهُ، أيْ: إذا لم ينو الليلتين خاصةً، بل نَوى اليومين مع الليلتين، فأمّا إذا نوى الليلتين خاصةً لا يَصِحَّ نَذرُهُ، وَقدْ ذكرنا، فإنْ قلتَ: كيفُ تركَ علماؤُنا الثلاثةُ (١٣) أصلُّهم في هذهِ المسألةِ حيثُ أَلحقَ أبو يوسفَ التثنيةَ بالفردِ هنا، وهما ألحقَاهَا بالجَمْعِ، وهذا عكسُ مذهِبهم بعينهِ في مسألةِ الجُمعةِ، فكانُ هذا منهم تناقضًا.


(١) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٤٠٢).
(٢) هو صاحب بِدَايَةُ المُبْتَدِي الْمَرْغِينَانِي. يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٤٢).
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ٢٢٢)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٥٣).
(٤) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٤٠٢).
(٥) يُنْظَر: الهِدَايَة شرح البداية (١/ ١٣٤)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٤٠٢).
(٦) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٤٠١)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٥٣).
(٧) هكذا هي في نسخ المخطوط ولعل الصواب ما ذكر في المَبْسُوط (٣/ ٢٢٢) ما نصه (لأن التثنية غير الجمع فهذا والمذكور بلفظ الفرد سواء)، والله تعالى أعلم.
(٨) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٤٠٢).
(٩) يُنْظَر: المَبْسُوط للسرخسي (٣/ ٢٢٢)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٥/ ٧٧٤).
(١٠) أخرجه ابن ماجه في سننه، باب الاثنان جماعة (١/ ٣١٢)، والدَّارقُطنيّ في سننه، باب الاثنان جماعة (١/ ٢٨٠)، من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-، وضعفه الألباني في إرواء الغليل (٢/ ٢٤٨).
(١١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ٢٢٢).
(١٢) المصدر السابق.
(١٣) هم: أبو حنيفة ومُحَمَّد وأبي يوسف. يُنْظَر: الفَوَائِد البهية ص (٢٤٨).