للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: وحاصِلُ هذا أنَّ اعتكافَ الأيامِ مُنكرًا يُلحَقَ بالإجاراتِ والأيمانِ في شَرْطِ التتابُعِ، ويلحقُ بالصَّوْم في حقِّ عَدَمِ الاتصالِ بالوقتِ الذي نَذَرَ فيهِ بلْ لهُ أنْ يُعِّينَ أيَّ أيامٍ شاءَ، وأيَّ شَهْرٍ شاءَ؛ لِأَنهُ التزمَ أيامًا مُنكرةً فلا يتعينُ إِلاَّ بالتعيينِ، فإنْ قلتَ: ما ذُكِرَ في أصلِ المسألةِ، وهو قولُهُ: ولو أَوُجَبَ على نفسهِ اعتكافَ أيامٍ لزم اعتكفَها بلياليها (١)، مُشْكِلٌ على ما ذُكِرَ في أصولِ الفقه (٢): أنَّ اليومَ إذا قَرِنَ بفعلٍ ممتدٍ يُرادُ بياضُ النَّهارِ خاصةً كما في قولهِ: أَمرُكَ بيدِكَ يوَم يَقْدُمِ فلانٌ، ثُمَّ هاهنا الِاعْتِكَافُ فِعْلٌ ممُتدٌ يجبُ أنْ يُرادَ بالأيامِ النهارُ دُونَ الليالي، وعندَ الإطلاقِ عليهما يكونُ اليومُ بمعنى الوقتِ مع أنَّ الفعلَ المقرونَ بهِ ممتدُ، وهو خِلافُ رِوايةِ أُصولِ الفقهِ.

قلتُ: سقوطُ اختصاصِ بياضِ النهارِ مُنفردًا، قلنا: إنما يشاءُ يذكرُ الأياَم بلفظِ الجمعِ، وهي متناولُةُ ما بإزائِها مِنَ الليالي لا أنْ يكونُ اسمُ اليومِ مُنطلقًا على الوقتِ بخلافِ مسألةِ الأمرِ باليدِ فإنَّ اليوَم هُناكَ مذكورً بلفظِ الفردِ فوزان تلكَ المسألةِ أنْ يُوجِبَ على نفسهِ هاهنا بلفظِ اليومِ بأنْ قالَ: للهِ عليَّ أنْ أعتكفَ يَومًا حيثُ يختصُّ ذلكَ ببياضِ النهارِ دُونَ الليلِ، والمسألةُ في «التحفة» (٣)، وفي الْكِتَابِ أيضًا إشارةٌ إليه بعدَ هذا، وأمّا لو نَوَى أيامًا مُعينةٍ أو شَهرًا مُعينًا يجبُ عليهِ اعتكافُ تلكَ الأيامِ، وذلك الشهرِ، ولو تَرَكَ اعتكافَ يومٍ يجبُ عليهِ باقِي الشهرِ، ويقضي يومًا، ولا يلزمهُ الاستقبالُ؛ لِأَنَّ التتابعَ ثبتَ لِتَجاوُزِ الأيامِ لا بالنذرِ، كذا في «التحفة» (٤)، وإنْ نَوَى الأيامَ خاصةً صحتْ نيتُهُ (٥)؛ لِأَنَّ حقيقةَ اليومِ لِبيَاضِ النَّهارِ (٦)، فكانَ نَاويًا بالحقيقةِ، كلامه فيصِحَّ، وهذا بخلافِ ما لو أوجبَ على نفسهِ اعتكافَ شهرِ بغيرِ عينهِ، فَنَوىَ الأيامَ دَونَ الليالي أو الليالي/ دُونَ الأيامِ لا تَصِحُّ لمِا أنَّ الشهُر اسمٌ لِعَدَدِ ثلاثينَ يومًا، وثلاثينَ ليلةً، أو تسعَةَ وعشرينَ يومًا وليلةً، وليسَ باسمٍ عامٍ، واسُم العددِ لنا على ما دُونَ ذلك العددِ أصلٌ كاسمِ العَشْرةِ لا ينطلقُ على الخمسةِ لِا حقيقةً، ولا مجازًا، أمّا العددُ فيحْتَمِلُ الاستثناءَ، فلذلك صَحَّ أنْ يُوجِبَ على نفسهِ اعتكافَ شهرٍ إِلاَّ الأيامَ أو إِلاَّ الليالَي؛ لأَنَّ الاستثناَء تَكَلَمَ بالباقي بعدِ الشتاءِ، فصارَ كأنهُ قالَ: لله عليَّ أنْ اعتكفَ ثلاثينَ نهارًا، لكنْ عنَد استثناءِ الأيامِ لا يجبُ عليه شيءٌ، كما إذا أوجبَ عليهِ اعتكافُ ثلاثينَ ليلةً، ونوى الليلَ دونُ النهارِ تصدَّقَ (٧)، ولا يَصِحَّ الِاعْتِكَافُ لِعَدَمِ وقتِ الصَّوْم (٨)، كذا في مبسوط فَخْرُ الْإِسْلَام، و «التحفة» (٩).


(١) يُنْظَر: الجوهرة النيرة (١/ ١٤٧).
(٢) يُنْظَر: أصول الفقه للِسَّرَخْسِي (١/ ١٧٥).
(٣) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء: (١/ ٣٧٦).
(٤) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٧٦).
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للسرخسي (٣/ ٢١٨)، حاشية ابن عابدين (٢/ ٤٥١).
(٦) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٤٠٧).
(٧) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١١١)، الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣٢٨).
(٨) اختلف العلماء في هذه المسألة وهي هل الصَّوْم شرط لصحة الِاعْتِكَافِ فأبي حَنِيفَةَ ومالك يرون انه شرط لصحة الاعتكاف الواجب ولهم رويتان فيما إذا كان نفلاً روى الحسن عن أبي حنيفه ان النفل كالواجب، وفي رواية عن أبي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد وابي يوسف انه لايشترط الصِّيَامُ في الِاعْتِكَافِ النفل، وقال الشَّافِعِي واحمد ليس بشرط ويصح الاعتكاف سواءً كان واجباً أم نفلاً.
يُنْظَر: المَبْسُوط للسرخسي (٣/ ٢٠٩)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٧١)، الْحَاوِي (٣/ ٤٨٦)، الذخيرة للقرافي (٢/ ٥٣٦) الْمُغْنِي (٣/ ١٢٥).
(٩) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٧٦).