للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

-رضي الله عنها- «نذرتْ إنْ فَتحَ اللُه مكةَ على رسولهِ أنْ تصلي في البيتِ ركعتين، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدها وأدخلها الحطيم فقال: صلي هاهنا فإن الحطيمَِ مِن البيتِ إلا أنَّ قومك قصرت بهم النفقة، فأخرجوه من البيت، ولولا حِدثان (١) قومك بالجاهلية لنقضت بناء الكعبة، وأظهرت قواعد الخليل وأدخلت الحطيم في البيت، وألصقت العتبة بالأرض، وجعلت لها بابًا شرقيًا، وبابًا غربيًا، ولئن عشت إلى قابل لأفعلن ذلك فلم يعش» (٢)، ولم يتفرغ لذلك أحد من الخلفاء الراشدين حتى كان زمن عبد الله بن الزبير، وكان سمع الحديث فيها ففعل ذلك، وأظهر قواعد الخليل، وبنى البيت على قواعد الخليل - عليه السلام - بمحضر من الناس فأدخل الحطيم في البيت، فلما قُتل، كره الحَجَّاجُ بناء البيت على ما فعله ابن الزبير، فنقض بناء الكعبة، وأعاده على ما كان عليه في الجاهلية، فإذا ثبت أن الحطيم من البيت فالطواف بالبيت كما قال تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣) (٤)، نبغي له أن يطوف من وراء الحطيم، ولا يقال:

لو استقبل الحطيم في الصلاة لا تجوز صلاته، ولو كان الحطيم من البيت لجازت؛ لأنّا نقول: إن الحطيم من البيت إنما ثبت بخبر الواحد (٥)، وفرضية استقبال الكعبة (٦) ثبت بالنص (٧)، فلا يتأدى بما ثبت بخبر الواحد) (٨).


(١) حدثان: أي حداثة، والمقصود بها قرب عصرهم من عصر الجاهلية أو دخولهم الإسلام في مكة في وقت متأخر، انظر: الإتحاف في شرح حديث الإنصاف (ص ٤٥).
(٢) متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ] (٩/ ٨٦) برقم: [٧٢٤٣]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [جَدْرِ الْكَعْبَةِ وَبَابِهَا] (٢/ ٩٧٣) برقم: [١٣٣٣].
(٣) العتيق اختلف فيه على أقوال، منها: أي البيت القديم، وقيل: عتق من الغرق أيام الطوفان، وقيل: لأنه أعتق من الجبابرة، وقيل: العتيق بمعنى الكريم.
انظر: الكشاف (٣/ ١٥٣)، تفسير فتح القدير (٣/ ٤٣٥)، معاني القرآن للزجاج (٣/ ٤٢٤)، معاني القرآن للفراء (٢/ ٢٢٥)، الدر المنثور (٦/ ٤١).
(٤) سورة البقرة من الآية (٢٩).
(٥) خبر الواحد: كل خبر يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا، أي ما رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدد لم يبلغ حد التواتر، وسنة الآحاد عند الجمهور تفيد الظن وتفيد العلم عند الظاهرية، واتفق الكل على وجوب العمل بخبر الواحد، إلا أنهم اختلفوا في الشروط اللازمة لوجوب العمل بها فعند الحنفية اشترطوا: أن لا تكون السنة متعلقة بما يكثر وقوعه،، وأن لا تكون السنة مخالفة للقياس الصحيح وللأصول والقواعد الثابتة في الشريعة، وألا يعمل الراوي بخلاف الحديث الذي رواه، واشترط المالكية: عدم مخالفته لعمل أهل المدينة. أما الشافعية والحنابلة: أن السنة التي رواها العدل الثقة وتوفرت في راوي خبر الآحاد مشروط القبول فإنه يجب العمل بها.
انظر تفصيل ذلك في: أصول السرخسي (١/ ٣٤١)، جامع الأسرار (٣/ ٦٩٤)، العضد على ابن الحاجب (٢/ ٥٦)، الأحكام للآمدي (٢/ ٣٢)، الإحكام لابن حزم (١/ ١٠٧ - ١٢٥)، التعريفات للجرجاني ص (٨٥).
(٦) في (ج): البيت.
(٧) في: (ج): بالكتاب.
(٨) أي أن كون الحطيم من البيت إنما ثبت بخبر الواحد في قوله: (الحطيم من البيت)، وفرضية استقبال القبلة تثبت بنص الكتاب "فولوا وجوهكم شطره "، فلا يتأدى بما ثبت بخبر الواحد، والحاصل أنه يحتاط في الطواف والصلاة جميعا ً؛ لأن خبر الواحد يوجب العمل ولا يوجب اليقين.
انظر: المبسوط (٤/ ١٢)، البناية (٣/ ٤٩٧)، رد المحتار (٢/ ٤٩٦).