للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قولهما: (إن الوقوف يتفرق) قلنا: إنه جوّز التفريق بالأكل، وبالحديث، والحدث، ولم يكره ذلك فلأن لا يكره بالصلاة أولى، وإذا لم يكن هذا تفريقاً لم يجزأ بكتاب محظور، وهو تعجيل الصلاة قبل الوقت لإدراك فضيلة، وهي اتصال الوقوف ليس بواجب، ولا في حكم الواجب، فأما الجماعة فإدراكها في حكم الواجب حتى أن الثواب يتضاعف بالجماعة، ويقاتَل القوم التاركون الصلاة بجماعة كما يقاتلون على أصل الصلاة.

ولذلك لابد أن يكون فضل وصل الوقوف دون فضل الجماعة، فيحال التعجيل إلى أولى الفضيلتين، وأتمهما (١)، إلى هذا أشار في «الأسرار» (٢)؛ أن المحافظة على الوقت فرض بالنص، وهو قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا … مَوْقُوتًا} (٣) أي: فرضًا مؤقتًا فالمحافظة على الوقت في الصلوات فرض بيقين، فلا يجوز تركه إلا بيقين مثله، وهو الموضع الذي ورد فيه النص، وإنما ورد النص بجمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الصلاتين، والخلفاء من بعده، فلا يجوز الجمع إلا بتلك الصفة، وكان المعنى فيه أن هذا الجمع مختص بمكان وزمان، كان الإمام شرطًا فيها بخلاف الجمع الثاني، فإنه أداء المغرب في وقت العشاء، وذلك غير مختص بمكان وزمان، وأما هذا فتعجيل العصر على وقته، وذلك لا يجوز إلا في هذا المكان وهذا الزمان، ثُمَّ يسلم أن هذا الجمع لأجل الوقوف، ولكن الحاجة إلى الجمع للجماعة لا للمنفرد؛ لأن المنفرد يمكنه أن يصلي العصر في وقته في موضع وقوفه فإن المصلي واقف فلا ينقطع وقوفه بالاشتغال بالصلاة، فإنما يحتاجون إلى الخروج لتسوية الصفوف إذا أدوها بالجماعة، فيشق عليهم الاجتماع بعد الفراغ، فلذلك جوّز الجمع دفعًا للمشقة عنهم.

(إذ لا منافاة).

أي: بين الوقوف، والصلاة على ما ذكرنا.

لأنه هو المتغير عن [وقته] (٤) واشتراط الإمام لوقوع التغير فيقتصر على ما يقع فيه التغير، ولأبي حنيفة -رحمه الله- أن العصر (٥) في هذا اليوم كالتبع للظهر؛ لأنهما صلاتان أديتا في وقت واحد، والثانية منهما مُرتبة على الأولى، وكان بمنزلة العشاء مع الوتر، ولما جعل الإمام شرطًا في التبع كان شرطًا في الأصل بالطريق الأولى، ودليل التبعية (٦) أنه لا يجوّز العصر في هذا اليوم إلا بعد صحة أداء الظهر حتى لو تبين في يوم الغيم أنهم صلوا الظهر قبل الزوال، والعصر بعده؛ لزمهم إعادة الصلاتين، وكذلك لو جدد الوضوء بين الصلاتين، ثُمَّ تبين أنه صلى الظهر بغير وضوء لزمه إعادة الصلاتين بخلاف سائر الأيام.


(١) في (ج): أهمهما.
(٢) انظر: الأسرار (ص ٣٧٦).
(٣) سورة النساء من الآية (١٠٣).
(٤) أثبته من (ب) وفي (أ) وفيه، ولعل الصواب ماأثبته لموافته سياق الكلام.
(٥) في: (أ) و (ب) أن العصر.
(٦) في: (ج) التغير.