للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: الإعادة فيه لنوع فساد اقتضاه خبر الواحد لا لفساد قوي، فلو قلنا: بالإعادة بعد خروج وقت العشاء لكنّا قائلين بالفساد القوي، [فحينئذٍ] (١) كنا مبطلين موجب قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (٢)، ولا نقول به، ومثل هذا جائز، ألا ترى أنهم قالوا جميعًا في طواف المحدث: إنه يعيد؛ عملًا بخبر الواحد مادام بمكة، مع أن إطلاق قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (٣) يوجب الجواز، فإذا رجع لم يلزمه الإعادة؛ لأنا لو أُمرنا بذلك حتمًا لكان بسبب فساد ما أدى، وهو من باب العلم، وخبر الواحد لا يوجبه، وعن هذا خرج الجواب لقول أبي يوسف -رحمه الله-: "أن من صلى المغرب في وقته [لا يخلو من أن] وقع صحيحًا أو فاسدًا، فإن وقع صحيحًا فلا يجب الإعادة لا في الوقت، ولا بعد الوقت، وإن وقع فاسدًا يجب الإعادة في الوقت وبعد الوقت" لأن ما وقع فاسدًا لا ينقلب صحيحًا بمضي الوقت؛ لأنّا نقول: أمره موقوف لنوع فساد اقتضاه خبر الواحد على وجه يظهر أثره في ثاني الحال؛ كما في طواف المحدث على ما ذكرنا، وهو المذكور في «الأسرار» (٤).

(وإذا طلع الفجر) (٥). أي: من أول يوم النحر.

الغلس (٦): ظلمة في آخر الليل يقال: غلس بالصلاة إذا صلاها في الغلس، ولأن في التغليس دفع حاجة الوقوف، فيجوز كتقديم العصر بعرفة، وذلك لأنه لما جاز تعجيل العصر على وقتها للحاجة إلى الوقوف، فلأن يجوز التغليس بالفجر، وهو وقتها كان أولى. كذا في «المبسوط» (٧).

(فاستجيب له دعاؤه لأمته حتى الدماء والمظالم).


(١) أثبته من (ب، ج) وهي مختصرة في (أ) فح.
(٢) سورة النساء من الآية (١٠٣).
(٣) سورة الحج من الآية (٢٩).
(٤) سورة الأسراء (ص ٣٧٩).
(٥) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٥)
(٦) الغَلَس بفتح الغين واللام، أصله ظلام آخر الليل، ويراد به حين يطلع الفجر الثاني من غير تأخير قبل أن يزول الظلام وينتشر الضياء.
انظر: طلبة الطلبة (ص/ ٦٢)، المصباح المنير (ص/ ٤٥٠).
(٧) انظر: المبسوط (٤/ ١٩).