للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله -رحمه الله-: (وإنما وجبَ ليمكنه الجمعَ بين الصلاتين بالمزدلفة).

بيانه أنه مأمور بالتأخير عن وقته بالاتفاق، وذلك الأمر [لا؛ لأن] في الاشتغال بالصلاة انقطاع سيره، فإن أداء الصلاة في وقتها فريضة، فلا يسقط بهذا العذر، ولكن الأمر بالتأخير للجمع بينهما بالمزدلفة، وهذا المعنى يفوت بأداء المغرب في طريق المزدلفة، فعليه الإعادة بعد الوصول إلى المزدلفة؛ ليصير جمعًا بين الصلاتين كما هو المشروع/ نسكًا، فلذلك سقط عنه الإعادة بطلوع الفجر؛ لأن وجوب الإعادة لإمكان إدراك فضيلة الجمع بينهما، وهذا يفوت بفوات وقت العشاء، ولهذا قلنا: إذا بقي في الطريق حتى صار بحيث يعلم أنه لا يصل إلى المزدلفة قبل طلوع الفجر يصلي المغرب في الطريق، ولا يؤخرها بعد ذلك. كذا في «المبسوط» (١)، فإن قلتَ: ما الفرق بين خبر الواحد هذا وبين قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من نام عن صلاة أو نسيها» (٢).

فإن هناك إن صلى الوقتية ذاكرًا الفائتة، وهو صاحب ترتيب يجب عليه الإعادة، وإن ذهب الوقت الذي صلى فيه الوقتية، وهاهنا لا تجب الإعادة بعد ذهاب الوقت.

قلتُ: وجوب الإعادة هناك لوجوب الترتيب، وهو قائم ما لم يدخل في حد الكثرة، وهنا وجوب الإعادة لرعاية الجمع بين صلاتي العشاء في المزدلفة، فيفوت إمكان الجمع بينهما لفوات وقت العشاء، فلو قلنا بالإعادة بعد فوات وقت العشاء كان ذلك من باب العلم، وخبر الواحد لا يوجب العلم. فإن قلتَ: ما الفرق بين هذا وبين قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» (٣) فإنه لو صلى، وترك الفاتحة ساهيًا أو عامدًا لا يجب إعادة الصلاة، وهاهنا وجبت مادام وقت العشاء باقيًا. فإن قلتَ: خبر الواحد واجب العمل بأي عمل كان على وجه لا يؤدي إلى إبطال الكتاب، ثُمَّ هاهنا الإعادة من باب العمل مادام الوقت باقيًا لما أنه صلى قبل الوقت الثابت بخبر الواحد، والصلاة قبل الوقت لا تجوز، فيجب الإعادة كما في مسألة الترتيب، وأما خبر الفاتحة فقد علمنا به كما يليق بحاله؛ حيث قلنا: بوجوب سجدتي السهو إذا تركها ساهيًا، وبالإثُمَّ إذا تركها عامدًا، وأما لو قلنا: بالإعادة، كان خبر الواحد مبطلًا لإطلاق قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (٤)، وذلك لا يجوز، فإن قلتَ: ففي حديث أمامة أيضًا القول بالإعادة في الوقت إبطال لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا … مَوْقُوتًا} (٥).


(١) المبسوط (٤/ ٦٢، ٦٣)، وقد نقل الإجماع هنا وهو اتفاق الحنفية. انظر: المسلك (ص/ ١٤٥).
(٢) سبق تخريجه (ص/ ١٠٨)
(٣) أخرجه أحمد في "المسند" (١٥/ ٣٢٤) برقم: [٩٥٢٩]، وأخرجه أبو داود في "سننه" باب: [مَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاتِهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ] (١/ ٢١٦) برقم: [٨٢٠]، وأخرجه الترمذي في "سننه" باب: [مَا جَاءَ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ] (٢/ ٢٥) برقم: [٢٤٧] بلفظ: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الكِتَابِ»، وصححه ابن خزيمة في "صحيحه" باب: [إِيجَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَنَفْيِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ قِرَاءَتِهَا] (١/ ٢٤٦) برقم: [٤٨٨].
(٤) سورة المزمل من الآية (٢٠).
(٥) سورة النساء من الآية (١٠٣).