للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه خلاف الشافعي (١)، فإن عنده ينقطع خيار النفر بغروب الشمس من اليوم الثالث، فإذا غربت فليس له أن ينفر بعد ذلك قبل أن يرمي.

وقال: (لأن المنصوص عليه الخيار في اليوم)، وامتداد اليوم إلى غروب الشمس، وأنا نقول: الليل ليس بوقت لرمي اليوم الرابع فيكون خياره في النفر ثابتًا فيه كما قبل غروب الشمس من اليوم الثالث، بخلاف ما بعد طلوع الفجر في اليوم الرابع، فإنه وقت الرمي فلا يبقى خياره بعد ذلك، وقد بيّنا أن الليالي هاهنا تابعة للأيام الماضية، فكما كان خياره ثابتًا في اليوم الثالث، فكذلك في الليلة التي بعده.

وقالا: (لا يجوز اعتبارًا بسائر الأيام) أراد بالأيام: اليومين، وهو اليوم الثاني، والثالث دون اليوم الأول من أيام النحر، فإن رمى جمرة العقبة في ذلك اليوم يجوز قبل زوال الشمس بالاتفاق.

وحاصله: أنهما يقيسان رمي اليوم الرابع على رمي اليوم الثاني والثالث من أيام النحر؛ لأنه يوم يرمى فيه الجمار الثلاث كهذين اليومين.

وأبو حنيفة -رحمه الله- يقيس آخر الأيام على أول الأيام؛ لأن هذا يوم خف حكم الرمي فيه بالترك وجب أن يكون جميع اليوم وقتًا له كيوم النحر الأول لما خف حكم الرمي فيه يرمي جمرة واحدة كان وقته جميع اليوم، وكذا هنا.

قوله -رحمه الله-: (بخلاف اليوم الأول، والثاني).

أراد بهما اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، وهما ثاني أيام النحر، وثالثه، وأما الرمي في الأول من أيام النحر، فيجوز قبل الزوال بالاتفاق في الروايات كلها على ما ذكرنا.

(فأما يوم النحر فأول وقت الرمي من وقت طلوع الفجر).

وعلى قول سفيان الثوري (٢) من وقت طلوع الشمس (لحديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدم ضعفة أهله (٣) من المزدلفة.

ويقول: أغيلمة بني عبدالمطلب لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس. وحجتنا في ذلك ما روي أنه لما قدَّم ضعفة أهله، قال: أي بني لا ترموا جمرة العقبة إلا مصبحين)، فنعمل بالحديثين جميعًا، فنقول: بعد الصبح يجوز، وتأخيره إلى ما بعد طلوع الشمس أولى. هذا كله من «المبسوط» (٤).


(١) انظر: الخطيب في "مغني المحتاج" (٢/ ٢٧٦).
(٢) سفيان الثوري هو الإمام أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الحجّة، الفقيه، الزاهد، المحدث، نقل عنه قوله: «كان الرجل إذا أراد أن يكتب الحديث تأدب وتعبد قبل ذلك بعشرين سنة»، (ت ١٦١ هـ).
انظر: سير أعلام النبلاء (٧/ ٢٢٩)، حلية الأولياء (٦/ ٣٥٦).
(٣) حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أنا ممن قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة في ضعفة أهله) أخرجه البخاري: الحج باب (٩٨) من قدم ضعفة أهله بليل (الفتح ٣/ ٥٢٦)، ومسلم: الحج، باب (٤٩) استحباب تقديم دفع الضعفة من النساءوغيرهن من مزدلفة (٢/ ٩٤١).
(٤) انظر: المبسوط (٤/ ٢١).