للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا أوجه بدليل عطف أعلامه عليها؛ [إذ] (١) المراد من الأعلام الأشباه الشرعية نحو: دلوك (٢) الشمس، وملك النصاب، وشهود الشهر، وشرف المكان للصلاة والزكاة والصوم والحج؛ وذلك لأن العلم هو الأمارة، والأسباب الشرعية أمارات لوجوب الأحكام في الحقيقة لما أن الوجوب في الحقيقة مضاف إلى إيجاب الله تعالى، وهو غيب عنا، والله تعالى برحمته أقام الدلالات الظاهرة من دلوك الشمس وغيره عَلمًا على إيجابه الغيبي، تيسيرًا للعباد.

ثم سببية هذه الأشياء ثابتة بتلك الأصول، فكأنه قال: أعلى أصول العلم وأعلى الأشياء الثابتة بتلك الأصول.

ثم لو كان المراد من المعالم العلماء فإعلاؤهم ظاهرٌ؛ قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: ١١]، حيث خصهم بالذكر ثانيًا بعد دخولهم في ذكر الذين آمنوا إظهارًا لزيادة درجاتهم عنده، ولو كان المراد منها الأصول وهو الظاهر فإعلاؤها ظاهر أيضًا حيث أوجب علينا الاتباع والائتمار بها؛ لقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: ٣]، وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: ٧]، وقوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ١١٥] الآية، وقوله: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: ٢].

وكذلك إعلاء هذه الأسباب ظاهر: لما أنه تعالى لما جعلها موجبةً ظاهرًا في حق العباد كان ذلك لشرف لها على سائر الأوقات [والأقوال] (٣) والأماكن.

(وَأَظْهَرَ شَعَائِرَ الشَّرْعِ وَأَحْكَامَهُ)

- قوله: (وأظهر شعائر الشرع) الشعائر جمع شعيرة وهي ما جعل علمًا على طاعة الله تعالى (٤).

قيل: المراد منها ما يؤدى على سبيل الاشتهار كصلاة الجمعة والعيدين والخطبة وجمعي/ ٢/ ب/ العرفات والمزدلفة (٥).


(١) في (ب): «لأن».
(٢) دلوك الشمس: زوالها وقيل غروبها وأصله الميلان، طلبة الطلبة (ص/ ١٠)، المغرب (ص/ ١٦٧).
(٣) في (أ): «الأموال» والتصويب من (ب).
(٤) انظر: طلبة الطلبة (ص ٢٩)، المغرب (ص ٢٥١).
(٥) عَرَفَاتُ: -بالتحريك-، وهو واحد في لفظ الجمع، وعرفة: حدها من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبال عرفة، وقيل: في سبب تسميتها بعرفة أقوال كثيرة منها: أن الناس يعترفون بذنوبهم في ذلك الموقف، وهي من الحل وبينها وبين مكة ثلاثة فراسخ، وقيل: أربعة، وكلها موقف إلا بطن عرفة، والمراد بجمعي عرفات: أي صلاتي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، ولا يجهر فيهما بالقراءة؛ لأنهما صلاتا نهارٍ كسائر الأيام. انظر: معجم البلدان (٤/ ١٠٤ - ١٠٥)، (٥/ ١٢٠ - ١٢١)، لياقوت الحموي (ت ٦٢٦ هـ)، الناشر: دار صادر، بيروت، الطبعة الثانية ١٩٩٥ م.
والمُزْدَلِفَةُ: -بالضم ثم السكون، ودال مفتوحة مهملة، ولام مكسورة، وفاء-، ومزدلفة منقولة من الازدلاف وهو الإجتماع، سميت جمعًا ومزدلفة، وهو مبيت للحاج ومجمع الصلاة إذا صدوا من عرفات، وهو مكان بين بطن محسّر والمأزمين، والمزدلفة: المشعر الحرام ومصلى الإمام يصلي فيه المغرب والعشاء والصبح، وهي فرسخ من منى، وكلها موقف إلا بطن وادي محسر، والمراد بجمعي المزدلفة: أي صلاتي المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. انظر: معجم البلدان (٤/ ١٠٤ - ١٠٥)، (٥/ ١٢٠ - ١٢١). والجوهرة النيرة على مختصر القدوري (١/ ١٥٥ - ١٥٨)، للزبيدي اليمني الحنفي المتوفى سنة: (٨٠٠ هـ)، الناشر: المطبعة الخيرية، الطبعة الأولى ١٣٢٢ هـ.