للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوله -رحمه الله-: (وجواز الدم على الأصل).

يخرج على وجهين، أحدهما: أنه جواب سؤال مقدر بأن يقال: الدم يجوز في أيام التشريق وبعدها، فكذا الصوم، فقال: إن الدم أصل وليس ببدل عن

شيء آخر، فلذلك يجوز في أيام التشريق وبعدها؛ لأن قوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ

الْهَدْيِ} (١)، مطلق غير متعرض لوقت دون وقت.

والثاني: أنه دليل لما ذُكر في أصل المسألة بقوله: (لم يجزه إلا الدم)، لما أنه أصل فيجوز حال جواز الصوم، وحال عدم جوازه، وذكر في «الأسرار» (٢) (أن هذا الوقت لا يصلح وقتًا للمأمور به صحيحًا).

وذلك لأن الله تعالى شرع صوم عشرة أيام بدلًا عن الهدي فإنه قال: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ} (٣)، عطف على الأول، فكان حكمه كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «جلد مائة، وتغريب عام» (٤)، ثُمَّ أكد بقوله: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (٥) نص على أنهما جميعًا عدد واحد، ثُمَّ الشرع فرق بين وقتهما؛ لأن/ وقتهما وقت الهدي، وهو وقت التحلل، وأنه لا يصلح للصوم على ما قلنا من النهي، فلابد من التقديم أو التأخير فقدّم البعض؛ وأخر البعض ليكون عدلًا بين الطرفين، فإن أحدهم لا يترجح إلا بدليل، وجعل الأكثر مؤخرًا؛ لأن الوقت بعده أوسع، وقبله إلى أول الإحرام أضيق، فُعلم أنه ما فرق إلا لعدم صلاح يوم النحر، وأيام التشريق، ولو شرع مطلقًا أو متتابعًا لوقع فيها لا محالة، ولهذه الضرورة ثبت حكم التحلل يوم النحر قبل صوم السبعة.

(فإن لم يدخل القارن مكة، وتوجه إلى عرفات، فقد صار رافضًا لعمرته بالوقوف) (٦).

وهذا عندنا، وقال الشافعي (٧) -رحمه الله-: "لا يكون رافضًا لعمرته" وهذا بناء على ما سبق، فإن عنده طواف العمرة يدخل في طواف الحجّ، فلا يلزمه طواف مقصود للعمرة، وعندنا لا يدخل طواف العمرة في طواف الحجّ، بل عليه أن يأتي بطواف كل واحد منهما، ويقدم العمرة في الأداء على الحجّ، وهذا يفوت بالوقوف؛ لأن معظم أركان الحجّ الوقوف، ويصير به مؤديًا للحج على وجه يأمن الفوت، فلو بقيت عمرته لكان يأتي بأعمالها، فيصير بانيًا أعمال العمرة على الحجّ، وهذا ليس بصفة القران، فجعلناه رافضًا للعمرة لهذا، والأصل فيه حديث عائشة -رضي الله عنها- نصه (٨)، فإن النبي - عليه السلام - دخل عليها بسرف (٩)، وهي تبكي قال: «ما يبكيك لعلك نفست؟» فقالت: نعم فقال: «هذا شيء كتبه الله على بنات آدم دعي عنك العمرة» أو قال: «ارفضي عمرتك، وانفضي رأسك، وامتشطي، واصنعي جميع ما يصنع الحاج عدا أن لا تطوفي بالبيت» (١٠) فقد أمرها برفض العمرة لمّا تعذر عليها الطواف، فلولا أنها بالوقوف تصير رافضة لعمرتها لما أمرها برفض العمرة. كذا في «المبسوط» (١١).


(١) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٢) انظر: الأسرار (ص ٤٦٣).
(٣) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٤) أخرجه البخاري: كتاب الشهادات، باب شهادة القاذف والسارق والزاني، برقم: [٢٤٦٨]
(٥) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٦) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٨)
(٧) انظر: النووي في "المجموع" (٨/ ١٣).
(٨) ساقطة من (ب).
(٩) سَرِف: هو موضع على ستة أميال من مكة، وقيل: سبعة، تزوج به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميمونة بنت الحارث وهناك بنى بها وهناك توفيت.
انظر: معجم البلدان (٢/ ٢١٢)
(١٠) متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ]
(١/ ٦٨) برقم: [٣٠٥]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِفْرَادُ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ، وَجَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَمَتَى يَحِلُّ الْقَارِنُ مِنْ نُسُكِهِ] (٢/ ٨٧٣) برقم: [١٢١١].
(١١) انظر: المبسوط (٤/ ٣٦).