للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هكذا ذكر بوجوب الدم عند عدم إعادة السعي في كثير من شروح «الجامع الصغير» (١) من جامع الصغير لقاضي خان، والتمرتاشي، والحسامي (٢)، و «الفوائد الظهيرية» (٣)، وغيرها، ولكن ذكر الإمام الزاهد المحقق شمس الأئمة السرخسي، والإمام المحبوبي -رحمهما الله-: وإن أعاد الطواف، ولم يعد السعي فلا شيء عليه؛ لأن الطهارة ليست بشرط في السعي، وإنما كانت شرطاً للطواف (٤) لاختصاصه بالبيت، واعتباره بالصلاة من وجه لما جاء في الحديث، وهذا المعنى لا يوجد في السعي، وإنما الشرط في السعي أن يأتي على أثر طواف معتد به، وطواف المحدث بهذه الصفة.

ألا ترى أنه يتحلل به فوقع اختيار المصنف (٥) على ما اختاره شمس الأئمة السرخسي/ -رحمه الله- حيث قال: (وكذا إذا أعاد الطواف، ولم يعد السعي في الصحيح)، أي: لا شيء عليه، وقال: وليس عليه في السعي شيء معطوف على قوله: (فعليه دم لترك الطهارة في الطواف)، وهذا الجواب لسؤال مقدر، وهو أن يقال: لمّا قام الدم مقام الطواف عند الرجوع إلى أصله (٦) صار كأنه أعاد الطواف، فإذا أعاد الطواف كان يجب عليه إعادة السعي، فلمّا لم يعد السعي وجب الدم كما إذا أعاد الطواف ولم يعد السعي على تلك الروايات التي ذُكرت في كثير من شروح «الجامع الصغير» (٧)، فأجاب عن هذا السؤال في «الفوائد الظهيرية» (٨)، وقال: إذا أعاد الطواف، ولم يعد السعي إنما يلزمه الدم؛ لأن بالإعادة يرتفع المؤدى فيبقى السعي قبل الطواف، فلا يقع الاعتداد فيلزمه الدم لتركه بخلاف ما إذا لم يعد الطواف، وأراق الدم؛ لأن بإراقة الدم لا يرتفع المؤدى، ومن أفاض قبل إذن الإمام من عرفات فعليه دم فكان من حق الرواية أن يقال: ومن أفاض قبل غروب الشمس فعليه دم، لما أن المحظور عليه الإفاضة قبل غروب الشمس ألا ترى أنه تعرض في جانب التعليل إلى هذا فقال: ولنا أن الاستدامة إلى غروب الشمس واجبة.


(١) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٥٧).
(٢) حسام الدين الأخسيكثي الحسامي: هو: محمد بن محمد بن عمر الأخسيكثي، حسام الدين: فقيه حنفي أصولي. من أهل (أخسيكث) من بلاد فرغانة. مات فى يوم الإثنين الثالث والعشرين من ذي القعدة سنة أربع وأربعين وست مائة، ودفن بمقبرة القضاة السبعة بالقرب من قاضي خان. له (المنتخب في أصول المذهب)، ويعرف بالمنتخب الحسامي، نسبة إلى لقبه (حسام الدين) شرحه جماعة، منهم
عبد العزيز بن أحمد البخاري.
(الجواهر المضية: ٢/ ١٢٠)، و (الأعلام للزركلي: ٧/ ٢٨)، (معجم المؤلفين: ١١/ ٢٥٣).
(٣) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٥٧).
(٤) اشتراط الطهارة من الحدث هو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد في المشهور من مذهبه، وعند أبي حنيفة: الطهارة ليست بشرط للطواف فلو طاف وعليه نجاسة أو محدثا صح طوافه، واختلف أصحابه في وجوبها أم أنها سنة؟.
انظر: البدائع (٢/ ١٢٩)، شرح اللباب (١٠٣ - ١٥٥)، بداية المجتهد (١/ ٣٤٢)، المجموع (٨/ ١٨)، الشرح الكبير (٩/ ١١٥).
(٥) هذه المسألة خلافية حاصلها: أنه لو أعادها لاشئ عليه، وإن أعاد الطواف ولم يعد السعي خلاف: قيل: لا شئ عليه وصححه مسكين، واختاره شمس الأئمة كما ذكر الزيلعي تبعا لتصحيح الهداية، لكن في غاية البيان وأكثر المشايخ في شروح الجامع على خلاف ماذهب إليه صاحب الهداية حيث قالوا إذا أعاد الطواف ولم يعد السعي كان عليه دم.
انظر: الهداية ٠١/ ١٦٦)، تبيين الحقائق (٢/ ٦١)، منحة الخالق نقلا عنهم (٢/ ٢٤)، غاية البيان (خ. جـ. ل: ٢٥٦)، النافع الكبيرص (١٦٢)، البناية عنه (٣/ ٧١١).
(٦) في (ب): أهله.
(٧) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٥٧)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٣/ ٢٤).
(٨) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٥٧)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٣/ ٢٤).