للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإنّا نقول: ما التزم ترك التعرض لذلك بعقد خاص هناك، وأما هاهنا الإحرام عقد خاص، وقد ضمن ترك التعرض بعقده، فإذا تعرض له بالدلالة قد باشر بخلاف ما التزم، وكان قياس المودع يدل سارقًا على سرقة الوديعة. كذا في «المبسوط» (١)، والدلالة الموجبة للجزاء أن لا يكون المدلول عالماً بمكان الصيد، فأما إذا كان المدلول عالمًا به، فلا جزاء على الدال؛ لأن المدلول ما تمكن من قتله بدلالته، وفي «المبسوط» (٢): ولو أمره بقتله ينبغي أن يضمن الجزاء، وعلى هذا لو أعار المحرم سكينًا غيره ليقتل صيدًا فإن لم يكن مع ذلك الغير ما يقتل به الصيد، فعلى المعير الجزاء، وإن كان معه ما يقتل به الصيد، فلا شيء على المعير؛ لأن تمكّنه من قتله لم يكن بإعارة السكين، وأن يصدّقه في الدلالة حتى لو كذبه، وصدّق غيره لا ضمان على المكذب، وفيه إشارة إلى أن الجزاء على ذلك الغير الذي صدّقه، وإن كانت دلالة ذلك الغير بعد دلالة الأول المكٌذَب، وبه صرح في «المبسوط» (٣) فقال: فالجزاء على الدال الثاني دون الأول، وفيه قيود أُخر سوى هذين المذكورين.

أحدها: أن يتصل القتل به بهذه الدلالة لا مجرد الدلالة.

والثاني: أن الجزاء إنما يجب على الدال إذا أخذ المدلول الصيد، والدال محرم فأما إذ حلّ من إحرامه قبل أن يأخذه المدلول فلا جزاء على الدال؛ لأن فعله إنما يتم جناية عند بقاء إحرامه إلى وقت القتل ألا ترى أن قتل الغير بدلالته أكثر تأثيرًا من قتله بنفسه، ولو قتله بنفسه لم يلزمه شيء، فكذلك إذا أخذه غيره بدلالته.

والثالث: أن يأخذه المدلول قبل أن ينفلت الصيد حتى أنه لو صدقة، فلم يقتله حتى تفلّت (٤) ثُمَّ أخذه بعد ذلك فقتله فلا شيء على الدال؛ لأن ذلك بمنزلة جرح اندمل، كذا في «المبسوط» (٥)، وغيره لم يكن عليه شيء لما قلنا، وهو قوله:

(لأنه لا التزام من جهته).

لأنه ضمان يعتمد وجوبه الإتلاف، فأشبه غرامات الأموال، فإن قلتَ: بل لا تشبه هذه الغرامة غرامات الأموال، أعني: غرامة المحرم بسبب قتل الصيد عُرف ذلك بمسألتين، إحداهما: أن للصوم مدخلًا في هذه الغرامة وليس في غرامات أموال الناس مدخلٌ للصوم.

والثانية: أن المحرمين إذا اشتركا في قتل صيد واحد، فعلى كل واحد منهما جزاءُ كاملُ بخلاف ما إذا اشتركا في إتلاف شاة الغير مثلاً فعلى كل واحد منهما نصف القيمة، فعُلم بهاتين المسألتين أن مشابهة هذه الغرامة بغرامة قتل الإنسان خطأ أكثر من مشابهته بإتلاف أموال الناس فعند ذلك يفترق الحكم بين العمد، والخطأ.


(١) انظر: المبسوط (٤/ ٨٠).
(٢) انظر: المبسوط (٤/ ٨٠). في (ب): المنشور.
(٣) انظر: المبسوط (٤/ ٨٠).
(٤) في (ب): انفلّت.
(٥) انظر: المبسوط (٤/ ٨٠).