للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلتُ: المراد من تشبيه غرامات الأموال كون الضمان دائراً مع الإتلاف، فإن ضمان أموال الناس كما يدور مع الإتلاف، وهذا الضمان أيضًا يدور مع الإتلاف، ثُمَّ لم يفترق فيه العمد، والخطأ، فكذلك هنا يجب أن لا يفترق بين العمد، والخطأ فإنه بما ذكر يحترز عن كفارة الصوم، والظهار (١)، فإن وجوبها هناك غير متوقف على الإتلاف، ثُمَّ جناية المحرم بقتل الصيد كما هي جناية في حق المحل، فكذلك جناية في حق الفعل أيضًا، وما ذكرت من المسألتين إنما كان كذلك نظراً إلى جانب جزاء الفعل كان ما قلناه من عدم الافتراق بين العمد، والخطأ نظر إلى جانب/ جزاء المحل. وقال في «المبسوط» (٢): والذي قلنا من عدم الافتراق بين العمد والخطأ قول عمر، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص -رحمه الله-، وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: "ليس على المحرم في قتل الصيد خطأجزاء".

وذكر الإمام الإسبيجابي (٣): "وبه أخذ داود الأصبهاني (٤) (٥) لظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} (٦) ".

فالتقييد بالعمدية لإيجاب الجزاء يمنع وجوبه على المخطئ لكنا نقول: هذه كفارة تجب جزاء للفعل، فيكون واجبًا على المخطئ كالكفارة بقتل المسلم، وهذا لأن الله تعالى حرم قتل الصيد على المحرم مطلقًا، وارتكاب ما هو محرم بسبب الإحرام موجب للجزاء عمداً كان أو خطأ، فأما تقييده بالعمد في قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} (٧)، فليس لأجل الجزاء، بل لأجل الوعيد المذكور في آخر الآية بقوله تعالى: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} (٨)، إلى قوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} (٩)، وهذا الوعيد على العامد دون المخطئ، ثُمَّ ذكر العمد هاهنا للتنبيه؛ لأن الدلالة قد قامت على أن صفة العمدية في القتل مانعة من وجوب الكفارة؛ ليمحص (١٠) الخطر به، فذكره الله تعالى هاهنا حتى يُعلم أنه لما وجب الكفارة هاهنا إذا كان الفعل عمداً وجبت إذا كان خطأ بالطريق الأولى.


(١) الظهار هو: تشبيه زوجته، أو مايعبر عنها، أو جزء شائع منها بعضو يحرم نظره إليه من أعضاء محارمه نسبا أو رضاعه كقوله: أنت عليَ كظهر أمي. وكفارته: عتق رقبة، فأن عجز فصيام شهرين متتابعين، وإن عجز أطعم ستين مسكينا.
انظر: شرح الوقاية (١/ ٢١٩ - ٢١٢)، تبيين الحقائق (٢/ ٦٥)، العناية (٣/ ٨٠).
(٢) انظر: المبسوط (٤/ ١٩٦).
(٣) انظر: البناية شرح الهداية (٤/ ٣٧٧).
(٤) في (ب): الأسبهاني.
(٥) داود بن علي بن خلف الأصبهاني، أبو سليمان أحد الأئمة المجتهدين. تنسب إليه الطائفة الظاهرية. سميت بذلك لأخذها بظاهر الكتاب والسنة وإعراضها عن التأويل والرأي والقياس، وكان داود أول من جهر بهذا القول ولد بالكوفة، سكن بغداد وانتهت إليه رئاسة العلم بها وبها توفي.
انظر: (سير أعلام النبلاء: ١٣/ ١٠٢)، و (طبقات الشافعية الكبرى: ٢/ ٢٨٤)، و (الأعلام: ٢/ ٣٣٣).
(٦) سورة المائدة من الآية (٩٥).
(٧) سورة المائدة من الآية (٩٥).
(٨) سورة المائدة من الآية (٩٥).
(٩) سورة المائدة من الآية (٩٥).
(١٠) في (ب): لتمحِّض.