للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(والمراد بالغراب الذي يأكل الجيف (١).

فقوله: (الذي يأكل الجيف) خبر؛ لقوله: (للمراد لا صفة الغراب، واحترز به عن الغراب الذي يأكل الزرع، فإنه صيد) كذا في «فتاوى قاضي خان» (٢).

وكذا الفارة الأهلية، والوحشية، والسنور (٣) كذلك في رواية الحسن عن أبي حنيفة -رحمهما الله- لا يجب الجزاء على المحرم بقتله أهليًا كان أو وحشيًا (٤).

وفي رواية هشام (٥) عن محمد -رحمه الله- ما كان منه بريًا فهو متوحش كالصيود يجب الجزاء على المحرم بقتله كذا في «المبسوط» (٦).

(وليست/ بمتولدة من البدن).

هذا احتراز عن القملة فإن في قتلها شيئاً على ما ذُكر.

(وما لا يؤذي لا يحل قتلها) لعدم العلة الثانية، وهي أنها مؤذية.

ولكن لا يجب الجزاء للعلة الأولى، وهي قوله: (لأنها ليست بصيود وليست بمتولدة من البدن). سماها علة واحدة مع أنها في معنى علتين؛ لأنه ذكر في موضع السلب، وفي موضع السلب يكون العلل الكثيرة بمعنى علة واحدة.

(ومن قتل قملة تصدق بما شاء) (٧).

هذا إذا أخذها من بدنة فقتلها، فأما إذا كانت القملة ساقطة على الأرض فقتلها، فلا شيء عليه كما في البرغوث، ثُمَّ لما أخذها من بدنه لا يتفاوت بعد ذلك إن أخذها من رأسه، ومن موضع آخر، وقال الشافعي (٨) -رحمه الله-: "إن أخذها من رأسه يجب الجزاء، فإن أخذها من موضع آخر لا شيء عليه"، ثُمَّ وجوب شيء في قتل القملة ليس بمنحصر بالقتل، فإن للإلقاء على الأرض حكم القتل أيضًا، وفي «الجامع الصغير» (٩) أطعم شيئاً ككسرة خبز هذا الذي ذكره في القملة الواحدة، وأما في الثنتين أو الثلاث كف من حنطة، وفي الزيادة على الثلاث نصف صاع من حنطة، ولو ألقى ثيابه في الشمس ليقتل القمل حرّ الشمس، فمات القمل فعليه الجزاء نصف صاع من حنطة؛ إذ كان القمل كثيراً، وأما لو ألقى ثوبه، ولم يقصد به قتل القمل، فمات القمل من حرّ الشمس، فلا شيء عليه، كذا في «المحيط» (١٠)، و «الجامع الصغير» (١١) لقاضي خان لقول عمر - رضي الله عنه - «تمرة خير من جرادة»، وقصة هذا الحديث: أن أهل حمص أصابوا [جرادًا] (١٢) كثيراً في إحرامهم، فجعلوا يتصدقون مكان كل جرادة بدرهم، فقال عمر: «أرى دراهمكم كثيرة يا أهل حمص تمرة خير من جرادة» (١٣).


(١) من الجيف جمع جيفة وهي النجاسة. انظر: شرح اللباب ص (٢٥٢).
(٢) انظر: فتاوى قاضي خان (١/ ١٤٣).
(٣) حيوان أليف، من خير مأكله الفأر، يشبه النمر فيما فيه من نقط بيضاء و أخرى سوداء.
انظر: الحيوان (٥/ ٢٧١)، المعجم الوسيط (١/ ٤٥٧).
(٤) عن أبي حنيفة، روى الحسن عنه: السنور الأهلي والوحشي ليس بصيد، وروى هشام عن محمد: أن السنور يجب الجزاء بقتله، قال ابن الهمام: وفي رواية هشام عن محمد: ماكان منه برياً فهو متوحش يجب بقتله الجزاء، وفي البحر الزاخر: في السنور الوحشي روايتان، وأمّا الأهلي فليس بصيد.
انظر: فتح القدير (٢/ ٦٧)، الخانية (١/ ٢٩٠) شرح اللباب ص (٢٤٢).
(٥) الإمام هشام بن عبيد الله الرازي أحد أئمة السنَّة الثقات، كان من بحور العلم، تفقه على أبي يوسف، ومحمد الشيباني، ومات محمد في منزله بالريّ، له: النوادر، وصلاة الأثر، نُقل عنه قوله: «لقيت ألفًا وسبعمائة شيخ، وأنفقت في العلم سبعمائة ألف دِرْهم (ت ٢٢١ هـ)،
انظر: الجواهر المضية (٣/ ٥٦٩)، تاج التراجم (ص/ ٢٣٨)، الفوائد البهية (ص/ ٣٦٧).
(٦) انظر: المبسوط (٤/ ٩٤).
(٧) انظر: بداية المبتدي (١/ ٥٣)
(٨) انظر: النووي في "المجموع" (٧/ ٣١٧).
(٩) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٨٤).
(١٠) انظر: المحيط البرهاني (٢/ ٤٤٠).
(١١) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٨٥). البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٣/ ٣٧).
(١٢) أثبته من (ب)، وفي (أ) أحراراً ولعل الصواب ما أثبته لموافقته كتب شروح الفقه.
(١٣) أخرجه مالك في الموطأ (١/ ٤١٦)، وأخرجه أبو يوسف في "الآثار لأبي يوسف" باب: [الصيد] (١/ ١٠٥) برقم: [٥٠٤]، وأخرجه عبد الرزاق الصنعاني في "مصنفه" باب: [الْهِرِّ وَالْجَرَادِ] (٤/ ٤١٠) برقم: [٨٢٤٦]، وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣/ ٤٢٦) برقم: [١٥٦٢٩].