للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وقال أبو يُوسف: عليه ذلك).

أي: الحلق.

«ولو لم يفعل لا شيء عليه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- حلق عام الحديبية، وكان محصراً بها وأمر أصحابه بذلك».

فإن قلتَ: هذا الذي ذكره من الدليل دليل على قوله عليه ذلك، لما أن مجرد (١) فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في الذي لا يعقل قربة دليل على الوجوب خصوصاً ما إذا كان فعله مقروناً بالأمر لغيره، فكان هو آكد في دلالته على الوجوب، فلا يكون هذا دليلاً على قوله: (ولو لم يفعلْ لا شيءَ عَليه).

فحينئذٍ كيف تثبت المطابقة بين المدلول والدليل؟

قلتُ: عن أبي يوسف في هذه المسألة روايتان، فقال في رواية: ينبغي له أن يحلق، ولو لم يحلق جاز (٢).

وفي الرواية الأخرى: الحلق واجب ذكرهما الإمام المحبوبي، ثُمَّ المصنف أورد دليل رواية الوجوب، ولم يورد دليل الرواية الأخرى، فإن دليل أبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله- يصلح دليلًا لها.

(ولهما أنَّ الحلقَ عُرف قربة مرتّبًا على أفعالِ الحجّ) إلى آخره.

يعني: أن كون الحلق قربة عرف بالنص بخلاف القياس، فيراعى فيه جميع ما ورد فيه النص من الأوصاف، والنص ورد بكون الحلق قربة حال كونه مرتبًا على أفعال الحجّ، فلا يكون في غير المرتب عليها قربة، وأما حلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحديبية، فقد ذكر أبو بكر الرازي -رحمه الله-: أن عند أبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله- إنما لا يحلق المحصر إذا أحصر في الحل، فأما إذا أحصر في الحرم فيحلق؛ لأن الحلق عندهما موقت بالحرم، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما كان محصرًا بالحديبية، وبعض الحديبية من الحرم علي ما روي أن مضارب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت في الحل، ومصلاه في الحرم على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما أمرهم بالحلق ليتحقق به عزمهم على الانصراف، ويأمن المشركون جانبهم، ولا يشتغلوا بمكيدة أخرى بعد الصلح، كذا في «المبسوط» (٣)، فإن قلتَ: فكيف يقولان: بجواز التحلل للمحصر قبل الحلق مع صريح النهي بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (٤)، الآية نزلت في حق المحصر ذكره في «الكشاف» (٥)، ثُمَّ لما كان المحصر منهياً عن الحلق قبل الغاية كان مأمورًا بالحلق بعد الغاية؛ لأن حكم ما بعد الغاية يخالف ما قبلها؟


(١) ساقطة من (ج).
(٢) في (ج): لا شيء عليه.
(٣) انظر: المبسوط (٤/ ٧٢).
(٤) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٥) انظر: الكشاف عن غوامض حقائق التنزيل (١/ ٢٣٨).