للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (والتحلل قبل أوانه لدفع الحرج الآتي من قِبَلِ امتداد الإحرام) جواب؛ لقوله: (وبالإحلال ينجو من العدو لا من المرض).

وأما الذي ضَلَّ الطريق فمحصر عندنا إلا أنه لا يجد من يبعث به الهدي، فإنه إن وجد من يبعث بالهدي على يده، فذلك الرجل يهديه إلى الطريق، فلا حاجة له إلى التحلل، وإن لم يجد من يبعث بالهدي على يده، فإنما لا يتحلل لعجزه عن تبليغ الهدي محله، [يقال له: ابعث شاة تُذبح في الحرم، ثُمَّ إذا بعث بالهدي، فإن شاء أقام مكانه، وإن شاء رجع؛ لأنه لما صار ممنوعاً عن الذهاب يخير بين المقام، والانصراف كذا في «المبسوط»] (١).

(وإذا جازَ لهُ التحللَ) إلى قوله: (وواعدَ منْ يبعثهُ بيومٍ بعينه يذبح فيه، ثُمَّ تحللَ) (٢).

هذا عند أبي حنيفة -رحمه الله-؛ لأن دم الإِحْصَار عنده غير موقت، فيحتاج إلى المواعدة ليُعرف وقت الإحلال، وأما عندهما فدم الإِحْصَار في الحجّ موقت بيوم النحر، فلا يحتاج (٣) حاجة إلى المواعدة، وإنما يحتاج إلى المواعدة عندهما في المحصر بالعمرة، كذا في «المحيط» (٤).

وإنما قيد بقوله: (يذبحُ فيه، ثُمَّ تحلل).

لأنه إذا ظن المحصر أنه ذبح هديه ففعل ما يفعل الحلال، ثُمَّ ظهر أنه لم يذبح كان عليه ما على الذي ارتكب محظورات إحرامه لبقاء إحرامه، كذا ذكره الإمام قاضي خان -رحمه الله-، وقد ذكرناه.

وإليه الإشارة بقوله: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (٥)،

والمحِل بكسر عين الفعل/ عبارة عن المكان كالمسجد والمجلس، نهى عن الحلق حتى يبلغ الهدي موضع حله، ثُمَّ فسِّر ذلك المحل بقوله {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (٦)، وبقوله: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (٧)، فعُلم أن محل الهدي هو البيت، والمراد به الحرم، فإن عين البيت لا يراق فيه الدماء

(فإنَّ الهديَ اسم لما يهدي إلى الحرمِ).

(أي: ينقل، مأخوذ من الإهداء والهدية، ألا ترى أن من جعل ثوبه هديًا لزمه تبليغه إلى الحرم)، كذا في «الأسرار» (٨) مُرَاعَى أصل التخفيف لا نهايته، ولهذا لم يستحق التخفيف متى لم يجد الهدي، بل يبقى محرمًا أبداً؛ ولأنه لو كان نهاية التخفيف مُرَاعَى لتحلل في الحال كما قال مالك (٩): ولا يتحلل باتفاق بيننا، بل له أن يبعث بالقيمة حتى يشتري الشاة هناك، ويذبح عنه فإن كان معسرًا لا يجد القيمة أيضًا. (ما يفعل) [ما هذه استفهامية] (١٠) فقال في «المحيط» (١١): وإن كان المحصر معسراً لا يجد الهدي أقام حرامًا حتى يطوف، ويسعى كما يفعله فائت الحجّ.


(١) أثبته من (ب، ج).
(٢) انظر: بداية المبتدي (١/ ٥٥).
(٣) ساقطة من (ب، ج).
(٤) انظر: المحيط البرهاني (٢/ ٤٧٢).
(٥) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٦) سورة الحج من الآية (٣٣).
(٧) سورة المائدة من الآية (٩٥).
(٨) انظر: الأسرار (ص ٥١١).
(٩) انظر: مواهب الجليل للطرابلسي (٣/ ١٩٨، ٢٠١).
(١٠) أثبته من (ب، ج) ..
(١١) انظر: المحيط البرهاني (٢/ ٤٧٢).